تفسير سورة النساء الاية 106

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 106

وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا

ملخص الاية :

–الأمر بالاستغفار يجيء على مجرد وجود خاطر التردد بين نصرة المسلم أو نصرة اليهودي، فلم يكن الرسول  صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم قد نصر أحداً على أحد بعد، ولكن مجرد هذا الخاطر يتطلب الاستغفار

تتحدث الاية عن:

1-والأمر بالاستغفار يجيء على مجرد وجود خاطر التردد بين نصرة المسلم أو نصرة اليهودي، فلم يكن الرسول  صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم قد نصر أحداً على أحد بعد، ولكن مجرد هذا الخاطر يتطلب الاستغفار. والذي يصدر الأمر بذلك هو الحق سبحانه لرسوله صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، ولا اعتراض ولا غضاضة أن يعدل لنا ربنا أمراً ما.

2-أو أن كل خطاب من هذا اللون موجه لمن جعل المسألة موضع مساومة عند رسول الله صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، كقول ” بني ظفر ” عندما أرادوا ألاّ يحكم الرسول صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم على اللص الذي من بينهم، وتمحكوا في الإسلام. لذلك يأمر الحق الذين حدثوا رسول الله صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم عن هذا الموضوع بالاستغفار، أو أن يستغفر الرسول صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم لهم الله؛ لأنهم لم يقولوا ذلك إلا رغبة في ألا ينفضح أمر المسلمين.وبعد ذلك يقول الحق: { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ.. }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إدغام كامل:غَفُورًا رَحِيمًا

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 105

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 105

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا

أسباب نزول الاية:

قوله تعالى: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ…} الآية، إلى قوله تعالى: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [105-116].
أنزلت كلها في قصة واحدة، وذلك أن رجلاً من الأنصار يقال له: طعمة بن أُبَيْرق، أحد بني ظفر بن الحارث، سرق درعاً من جار له يقال له: قتادة بن النعمان؛ وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب، حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق. ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له: زيد بن السمين؛ فالتمست الدرع عند طُعْمَة فلم توجد عنده، وحلف لهم والله ما أخذها وما له به من علم. فقال أصحاب الدرع: بلى والله قد أَدْلَجَ علينا فأخذها، وطلبنا أثره حتى دخل داره، فرأينا أثر الدقيق: فلما أن حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي، فأخذوه فقال: دفعها إِليَّ طُعْمَةُ بن أُبَيْرِق، وشهد له أناس من اليهود على ذلك، فقالت بنو ظفر – وهم قوم طعمة -: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، فكلموه في ذلك وسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم أن يفعل – وكان هواه معهم – وأن يعاقب اليهودي، حتى أنزل الله تعالى: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ} الآية كلها. وهذا قول جماعة من المفسرين.

ملخص الاية :

إذا كان الحق مع الكافر فلا بد أن تعطيه له، وإذا كان الحق مع المسلم فيجب أن تعطيه له؛ لأنك لا تحكم بين المؤمنين فقط ولكنك تحكم بين الناس

الحق يقول: { وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }. أي لا تكن يا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم مدافعاً عن الخائنين.

تتحدث الاية عن:

1-والحق سبحانه وتعالى حين يتكلم عن نفسه؛ يتكلم فيما يتعلق بالفعل بصفة التعظيم والجمع. مثال ذلك قوله: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا }. وهذه ” نون الجماعة ” حيث يتطلب إنزال القرآن قوى متعددة لا تتوافر إلا لمن له الملك في كل الكون. ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى.. إننا نجد أن رئيس الدولة أو الملك في أي بلد يصدر قراراً فيقول: ” نحن فلانا أصدرنا القرار “. والملك أو الرئيس يعرف أنه ليس وحده الذي يصدر القرار، ولكن يصدره معه كل المتعاونين معه وكل العاملين تحت رئاسته، فما بالنا بالحق الأعلى سبحانه وتعالى؟ لذلك فحين يتكلم سبحانه فيما يتعلق بالذات يكون الحديث بواسطة ضمير الأفراد:
{  إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } [طه: 14]
ولا يأتي هنا ضمير الجمع أبداً، ولا تأتي ” نون التعظيم “. ولكن في هذه الآية نجد الحق يقول: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ }.. ونرى ” نون التعظيم ” واضحة، فالقرآن كلام الله عز وجل، ونزول القرآن يتطلب صفات متعاضدة. فسبحانه مرة يقول:{  أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } [العنكبوت: 47]
ومرة يقول:

{  أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } [العنكبوت: 51]
ومرة ثالثة يقول:

{  لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الأنبياء: 10]
ما الغاية من الإنزال؟ الغاية من الإنزال أن يوجد على الأرض منهج يحكم حركة الحياة. والقرآن قد أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم وإلى من آمن بالرسالة. وحين يقول الحق: { أَنزَلْنَا عَلَيْكَ } فمعنى ذلك نزول التكليف. وساعة نسمع كلمة { أَنزَلْنَا } فعلينا أن نعرف أن كل شيء يجيء من الحق فهو ينزل إلينا منه سبحانه، وكلمة ” أنزل ” تشعر السامع أو القارئ لها أن الجهة التي أنزلت هي جهة أعلى، وليست مساوية لمن أُنْزِلَ إليه، وليست أدنى منه أيضاً.وكلمة { أَنزَلْنَا } تدل على أن جهة أنزلت، وجهة أُنزل إليها، وشيء أنزلته الجهة إلى المُنَزِّلِ إليه. والكتاب هو المنزل. والذي أنزله هو الله عز وجل. والمُنَزَّلِ إليه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم وأمته.

2-وهل أنزل الحق سبحانه الكتاب فقط أو أنزل قبل ذلك كل ما يتعلق بمقومات الحياة؟وعندما نقرأ هذا القول الكريم:{  يَابَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } [الأعراف: 26]
إنه لباس جاء من أعلى؛ لذلك استخدم الحق كلمة { أَنزَلْنَا } وهو ليس لباساً فقط ولكنه أيضاً يزينكم مأخوذ من ريش الطائر لأنه لباسه وزينته، فهو لا يواري العورة فحسب ولكنه جميل أيضاً، والأجمل منه أنّه لباس التقوى.لقد جاء الحق بالمقوم للحياة ستراً ورفاهية، وبعد ذلك أنزل الحق لباس التقوى وهو الخير. فاللباس الأول يواري عورة مادية، ولباس التقوى يواري العورات القيمية والمعنوية، وكل ذلك إنزال من أعلى.وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه:{  لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } [الحديد: 25]
إذن فكلمة ” الإنزال ” تدل على أن كل ما جاء من قِبَلِ الحق الأعلى إلينا، فهو نازل إلينا بشيء يعالج مادتنا وقوامنا، وبشيء يعالج معنوياتنا وقيمنا.

3-ويقول الحق في الآية التي نحن بصدد تناولها الآن: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } وحين يُطلق الكتاب فالمعنى ينصرف إلى الكتاب الجامع المانع المهيمن على سائر الكتب وهو القرآن الكريم، وإن كان { ٱلْكِتَابَ } يطلق على المكتوب الذي نزل على أي رسول من الله سبحانه وتعالى.

4-{ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } والحق هو الشيء الثابت الذي لا يأتي واقع آخر لينقضه. وعلى سبيل المثال: أنت في حياتك العادية حين تقول قضية صدق تحكي بها واقعا حدث مهما تكررت روايتك لهذه التفاصيل مدة عشرين سنة فهي لا تتغير؛ لأنها مطابقة للواقع. وأنت حين تقولها تستحضر الواقع الذي حدث أمامك. ولكن إذا حَدّثَ إنسان بقضية كذب لا واقع له. فماذا يكون موقفه؟ سيحكي القضية مرة بأسلوب، وإن مر عليه أسبوع فهو ينسى بعضاً مما قاله في أول مرة فيحكي وقائع أخرى، ذلك أن ما يرويه ليس له واقع؛ لذلك يقول كلاماً مغايراً لما قاله في المرة الأولى، وهنا يعرف السامع أن هذه المسألة كاذبة.إذن فالحق هو الشيء الثابت الذي لا ينقضه واقع أبداً. وأنزل الله الكتاب بالحق أي أنزله بالقضايا الثابتة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها، فهو ثابت لا ينقضه واقع.ويقال في حياتنا للتلميذ الناجح من أساتذته: لقد أعطيناك المرتبة الأولى على زملائك بالحق. أي أن هذا التلميذ قد أخذ حقه لأنه يستحق هذه المكانة. وقوله الحق سبحانه: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } أي إن إنزال الكتاب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم ليبلغه جاء ملتبسا ومرتبطا بالحق ولا ينفك عنه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم أهل لأن ينزل عليه الكلمات. ووجود معنى بجانب معنى في القرآن هو من أسرار إشعاعات الكلمات القرآنية، فهي لا تتناقض ولكنها توضع بحكمة الخالق لتجلو لنا المعاني.

5-{ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } وهذا يوضح لنا أن حكومة الدين الإسلامي وعلى رأسها الحاكم الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم إنما جاء لا ليحكم بين المؤمنين به فقط، بل ليحكم بين الناس. ومن شرط الحكم بين الناس القيام بالعدل فيما يختصمون فيه، فلا يقولن واحد: هذا مسلم، وذاك كافر، فإذا كان الحق مع الكافر فلا بد أن تعطيه له، وإذا كان الحق مع المسلم فيجب أن تعطيه له؛ لأنك لا تحكم بين المؤمنين فقط ولكنك تحكم بين الناس.وأنت إن حكمت بين الناس حكماً يتفق مع منطق الواقع والحق.تجعل الذي حُكم له يشهد أن دينك حق، فعندما يكون الحق مع الكافر، وتحكم على المؤمن بالحكم الحق الذي لا حيف فيه حتى وإن كان عقابا، فالكافر يقرع نفسه على أنه لم يكن من أهل هذا الدين الذي يعترف بالحق ويحكم به ولو كان على مسلم. وأيضاً يعرف المسلم ساعة يُحكم عليه لصالح واحد غير مسلم أن المسألة ليست نسبة شكلية إلى الإسلام، ولكنها نسبة موضوعية، فلا يظنن أحد أن الإسلام قد جاء ليحابي مسلما على أي إنسان آخر، ولكن الإسلام قد جاء ليأخذ الجميع بمنطق الحق، ويطبق على الجميع منهج الحق، وليكون المسلم دائما في جانب الحق.
وسبحانه وتعالى يعطي هذه القضية لواقعة حدثت معاصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم. والوقائع التي حدثت معاصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم بمثابة إستدرار السماء للأحكام، فالقضية تحدث وينزل فيها الحكم، ولو جاءت الأحكام مبوبة وسقطت ونزلت مرة واحدة، فقد تحدث الحادثة ويكون لدى المؤمنين الحكم ويحاولون البحث عنه في الكتاب. لكن إذا ما جاء الحكم ساعة وقوع الحادثة فهو ينصب عليها، ويكون الأمر أدعى للإذعان له؛ لأنه ثبت وأُيِّد ووثِّق بواقعة تطبيقية.

6-والحكم الذي نزل هو: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }. وعندما يقول سبحانه ” أراك ” أو ” علَّمك ” فلتعلم أن تعليم الله هو أكثر تصديقاً من رؤيتك الإنسانية، وكأنك تتمثل الشيء الذي يعلمه لك الله وكأنه مجسد أمامك، وليس مع العين أين.والواقعة التي حدثت هي: كان في ” بني ظفر ” واحد اسمه ” طعمة بن أبيرق ” وسرق ” طعمة ” درعا، وهذا الدرع كان ” لقتادة بن النعمان “. وخاف ” طعمة ” أن يحتفظ بالدرع في بيته فيعرف الناس أنه سرق الدرع. وكان ” طعمة ” فيما يبدو مشهوراً بأنه لص، فذهب إلى يهودي وأودع عنده الدرع، وكان الدرع في جراب دقيق. وحينما خرج به ” طعمة ” وحمله صار الدقيق ينتثر من خرق في الجراب وتَكوَنّ من الدقيق أثراً في الأرض إلى بيت اليهودي وكان اسمه ” زيد بن السمين ” وعندما تتبعوا أثر الدقيق وجدوه إلى بيت طعمة، ولكنه حلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها وقالوا: ” لقد سرق ابن السمين “. وهنا قال ابن السمين: ” أنا لم أسرق الدرع ولكن أودعه عندي ” طعمة بن أبيرق “. وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم وجاء ” بنو ظفر ” وهم مسلمون ” وطعمة بن أبيرق ” منهم وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم: لو حكمت على المسلم ضد اليهودي فستكون المسألة ضد المسلمين وسيوجد العار بين المسلمين.ونعلم أن الحق سبحانه وتعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم لِيُعَدِّل منهج الغرائز البشرية. والغريزة البشرية بحسب اندفاعها وقصر نظرتها قد تتصور أن الحكم على المسلم وتبرئة اليهودي هو إضعاف للمسلمين. ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يقيم الأمر بالقسط فينزل على رسوله:
{  إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }
[النساء: 105]
أي إياك أن تقول: إن هذا مسلم ولا يصح أن نلصق به الجريمة التي ارتكبها حتى لا تكون سُبة عليه، وإياك أن تخشى ارتفاع رأس اليهودي؛ لأن هناك لصاً قد ظهر من بين المسلمين. ومن الشرف للإسلام أن يعاقب أي إنسان ارتكب خطأ لأنه مادام قد انتسب للإسلام فعليه أن يصون هذا الانتساب. وعقاب المسلم على خطأ هو شهادة للإسلام على أنه لم يأت ليجامل مسلماً. وعلى كل مسلم أن يعرف أنه دخل الإسلامَ بحق الإسلام.

7-لقد نظر بعض السطحيين إلى قوله الحق: { وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } قائلين: إن كان هناك لص أو خائن أو مستغل لقوته فاتركه ولا تنظر إليه ولا تلتفت حتى لا يسبب لك تعباً. ولهؤلاء نقول: لا، فسبحانه وتعالى يقول: { وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } و ” اللام ” التي في أول ” الخائنين ” هي للملكية أي أن الحق يأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم ألا يقف موقفا لصالح الخائن، بل عليه أن يخاصم لمصلحة الحق.وقد حاول العلماء أن يقربوا المسافة فقالوا: ربما لا يتنبه أحد لمسألة اللام وأنها هنا للنفعية، فيكون المنهي عنه أن يقف مسلم موقفا ينفع خائنا، بل لا بد أن يكون على الخائن وليس معه. فاللام هنا تكون بمعنى ” عن “. كأن الحق يقول: { وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }. أي لا تكن يا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم مدافعاً عن الخائنين.ولماذا لم يقل الحق ” عن ” بدلاً من ” اللام “؟ نقول: إن الغاية من الدفاع عن الخصم أن ترجح أمره وتكون له لا عليه، لذلك جاء الحق بـ ” اللام ” هنا من أجل أن نعرف الغاية من ” عن ” واضحة. فاللام تفيد ألا ينفع المسلم خائناً، فلا تكون المسالة له، ولذلك جاء الحق بها إيضاحاً واختصاراً لنعرف أن رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم لن يقف في جانب الخائن ولن يأتي له بما ينفعه. ولذلك قال العلماء: إن اللام هنا بمعنى ” عن “. والقرآن فيه الكثير من مثل هذا.

8-وبعض الناس يقول: لماذا لا يأتي باللفظ الواضح الذي يجعلنا نعرف المعنى مباشرة؟ ونقول: إن الملحظية هنا مفيدة لنعرف في أي صف يقف القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم المبلغ عن ربه, مثال ذلك قوله الحق:
{  وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [سبأ: 43]
القائل هم الذين كفروا، والمقول له هو الحق. وبعض الناس كان يفترض أن المنطق يقتضي أن يقول الكفار: إنك سحر مبين. وكأن الآية هي: وإذ تتلى آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم أنت سحر مبين. ولنلحظ أنهم لم يقولوا للحق، ولكنهم قالوا عن الحق. ولم يقولوا للحق ذلك، بل قال بعضهم لبعض. و ” الحق ” هنا مُحَدّثٌ عنه وليس مخاطباً. فقالوا عنه: إنه سحر مبين.
وهناك آية أخرى يقول الحق فيها:

{  وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [الأحقاف: 11]
والقائل هنا هم الذين كفروا. والمقول لهم هم الذين آمنوا. والمقصود هو: أن الذين كفروا قالوا للذين آمنوا لو كان الإسلام خيراً ما سبقتمونا إليه.ولكن الحق سبحانه أوردها: ” لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ” وذلك ليدلنا على أنهم قالوا ذلك في غير محضر المؤمنين، بل هم يتبادلون هذا القول فيما بينهم. وإلا لو أن القول من الكافرين للمؤمنين لكان السياق يقتضي أن يكون: لو كان خيرا ما سبقتمونا إليه.ومن بعد ذلك يقول الحق: { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ.. }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

مد منفصل:إِنَّا أَنْزَلْنَاأَنْزَلْنَا إِلَيْكَبِمَا أَرَاكَ

مد متصل:لِلْخَائِنِينَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 104

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 104

وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

ملخص الاية :

ينخدع بعض المسلمين بدعاوى أعداء الإسلام الذين يقولون: إن الإسلام لم يشرع الحرب إلا لرد العدوان.ولذلك نقول لهؤلاء وأولئك: لا؛ إن الإسلام جاء بالقتال ليحرر حق الإنسان في الاعتقاد. والمسلم مطلوب منه أن يعلن كلمة الله، وأن يقف في وجه من يقاوم إعلانها، ولكن الإسلام لا يفرض العقيدة بالسيف، إنما يحمى بالسيف حرية المعتقد

-قوله تعالى: { ولا تهنوا في ابتغاء القوم} أي لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدّوا فيهم، وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد وكلمة { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي في طلبهم تدل على أن الأمة الإسلامية ليس مطلوبا منها فقط أن تدفع عن نفسها عدواناً، بل عليها أن تطلب هؤلاء الذين يقفون في وجه الدعوة لتؤدبهم حتى يتركوا الناس أحراراً في أن يختاروا العقيدة.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم: (ما يُصيب المؤمنَ مِنْ شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة)

تتحدث الاية عن:

1-وهذه الآية تذكرة لنا بكيفية الرد على من يدعون التحرر ويحاولون إظهار الإسلام بأنه يصلح للعصر الذي نحياه عندما نؤوله ونطوّعه لمرادات العصر، ناسين مرادات الإسلام؛ فهم يقولون: لقد شرع الحق الحرب في الإسلام لرد العدوان. ونقول لهم: صحيح أن الحرب في الإسلام لرد العدوان، والحرب في الإسلام أيضاً هي لتوسيع المجال لحرية الاعتقاد للإنسان.إن الذي يخيف هؤلاء أن يكون القتال في الإسلام فريضة، فيقاوم المسلمون الطغيان في أي مكان. وهذه محاولة من أعداء الإسلام لصرف المسلمين حتى لا يقاوموا قهر الناس والطغيان عليهم؛ لأن أعداء الإسلام يعرفون تماماً قوة الإسلام الكامنة والتي يهبها لمن يؤمن به ديناً، وينخدع بعض المسلمين بدعاوى أعداء الإسلام الذين يقولون: إن الإسلام لم يشرع الحرب إلا لرد العدوان.ولذلك نقول لهؤلاء وأولئك: لا؛ إن الإسلام جاء بالقتال ليحرر حق الإنسان في الاعتقاد. والمسلم مطلوب منه أن يعلن كلمة الله، وأن يقف في وجه من يقاوم إعلانها، ولكن الإسلام لا يفرض العقيدة بالسيف، إنما يحمى بالسيف حرية المعتقد،

2-فالحق يقول: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي لا تضعفوا في طلب القوم الذين يحاربون الإسلام، والابتغاء هو أن يجعل الإنسان شيئاً بغية له، أي هدفاً وغاية، ويجند لها كل تخطيطات الفكر ومتعلقات الطاقة، كأن الإنسان لا يرد القوم الكافرين فقط ساعة يهاجمون دار الإسلام، ولكن على المسلم أن يبتغيهم أيضاً امتثالاً لقول الله: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ }. فعلى المسلمين أن يُعْلُوا كلمة الله، ويدعوا الناس كافة إلى الإيمان بالله. وهم في هذه الدعوة لا يفرضون كلمة الله، لكنهم يرفعون السيف في وجه الجبروت الذي يمنع الإنسان من حرية الاعتقاد. إن على المسلمين رفع الجبروت عن البشر حتى ولو كان في ذلك مشقة عليهم لأن الحق قال:{  كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } [البقرة: 216]
وقد خلق الله في المؤمن القدرة على أن يبتغي عدو الإسلام ليرفع الجبروت عن غيره من البشر، صحيح أن الحرب مسألة مكروهة من البشر وليست رحلة سهلة، ولكنها أحياناً تكون واجبة، والذين أدركوا الحرب العالمية الثانية عرفوا أن ” تشرشل ” جاء رئيسا لوزراء بريطانيا بعد ” تشمبرلن ” الذي عرف عنه أنه رجل سلام، وحاول ” تشمبرلن ” أن يماطل ويلوح بالسلام مع ألمانيا حتى تستعد انجلترا بالحرب، وعندما استعدت انجلترا أعلن ” تشمبرلن ” أن سياسته غير نافعة، وجاء ” تشرشل ” وقاد دفة الحرب، وقال للإنجليز:– انتظروا أياماً سوداء وانتظروا الجوع.لقد قال تشرشل ذلك للإنجليز، حتى إذا ما جاء الواقع بأقل من قوله، فهم يستبشرون ويفرحون.

3-والحق سبحانه يقول: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ }.إن الحرب ترهقهم أيضاً كما ترهقكم،

4-لكنكم أيها المؤمنون تمتازون على الكافرين بما يلي: { وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }. فأنتم وهم في الألم سواء، ولكن الاختلاف هو أن المؤمنين يرجون ما لا يرجوه الكافرون، إن المؤمنين يعلمون لحظة دخولهم الحرب أن الله معهم وهو الذي ينصرهم ومن يمت منهم يذهب إلى جنة عرضها السمٰوات والأرض، وهذا ما لا يرجوه الكفرة.والحق سبحانه وتعالى يطالب الفئة المؤمنة التي انتهت قضية عقيدتها إلى الإيمان بإله واحد؛ هو – سبحانه – أنشأهم وخلقهم وإليه يعودون، وهذه القضية تحكم حركات حياتهم؛ إنه – سبحانه – يطالبهم أن يؤدوا مطلوبات هذه القضية، وأن يدافعوا عن هذه العقيدة التي تثبت للناس جميعاً أنه لا معبود – أي لا مطاع – في أمر إلا الحق سبحانه وتعالى.وحين تحكم هذه القضية أناساً فهي توحد اتجاهاتهم ولا تتضارب مع حركاتهم، ويصبحون جميعاً متعاونين متساندين متعاضدين؛ لذلك جعل الله الطائفة المؤمنة خير أمة أخرجت للناس؛ لأن رسولها صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم خير رسول أرسل للناس، وطلب الحق من أهل الإيمان أن يجاهدوا الكافرين والمنافقين لتصفو رقعة الإيمان مما يكدر صفو حركة الحياة.

5-والحق يعامل خلقه كبشر، إنّه خلقهم ويعلم طبائعهم وغرائزهم ولا يخاطبهم على أنهم ملائكة، وإنما يخاطبهم على أنهم بشر، وهم أغيار، ومن الأغيار أن يصفو لهم أمر العقيدة مرة، وأن تعكر عليهم شهواتهم صفو العقيدة مرة أخرى؛ لذلك يؤكد لهم أن طريق العقيدة ليس مفروشاً بالرياحين والورود، وإنما هو مفروش بالأشواك حتى لا يتحمل رسالة الحق في الأرض إلا من صبر على هذه البلايا وهذه المحن. فلو كانت القضية على طرف الثمام أي سهلة التناول لا مشقة في الحصول عليها وتدرك بدون آلام وبدون متاعب فسيدعيها كل إنسان ويصبح غير مأمون على حمل العقيدة.من أجل ذلك لم ينصر الله الإسلام أولاً، إنما جعل الإسلام في أول أمره ضعيفاً مضطهداً، لا يستطيع أهله أن يحموا أنفسهم، حتى لا يصبر على هذا الإيذاء إلا من ذاق حلاوة الإيمان مما يجعله لا يشعر بمرارة الاضطهاد ووطأة التعذيب ومشقته. فقال الحق سبحانه وتعالى: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي لا تضعفوا في طلب القوم.وكلمة { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي في طلبهم تدل على أن الأمة الإسلامية ليس مطلوبا منها فقط أن تدفع عن نفسها عدواناً، بل عليها أن تطلب هؤلاء الذين يقفون في وجه الدعوة لتؤدبهم حتى يتركوا الناس أحراراً في أن يختاروا العقيدة.

6-إذن فالطلب منه سبحانه: ألاّ تهنوا ولا تضعفوا في طلب القوم الذين يقفون في وجه الدعوة. ثم قال سبحانه: { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } أي إنه إذا كان يصيبكم ألم الحرب والإعداد لها، فأنتم أيضاً تحاربون قوماً يصيبهم ألم المواقع والحروب والإعداد لها؛ فأنتم وهم متساوون في إدراك الألم والمشقة والتعب، ولكن يجب ألا تغفلوا عن تقييم القوة فلا تهملوها؛ لأنها هي القوة المرجحة.فأنتم تزيدون عليهم أنكم ترجون من الله ما لا يرجون. والأشياء يجب أن تُقَوَّم بغاياتها والثواب عليها. لا يقولن أحد أبداً ” هذا يساوي ذلك “.. فلا يهمل أحد قضية الثواب على العمل. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في شرح هذه المعادلة حتى تكون الأذهان على بينة منها إعداداً وخوضاً للحرب واحتمالاً لآلامها:{  قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } [التوبة: 52]
عليكم أيها الكافرون أن تعلموا أن الذي ينتظرنا هو إحدى الحسنيين.. إما أن ننتصر ونقهركم، وإما أن نستشهد فنظفر بالحياة الأخرى. وماذا عن تربص المؤمنين بالكافرين:

{  وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } [التوبة: 52]
كفة مَن – إذن – هي الراجحة في المعادلة؟ إنها كفة المؤمنين؛ لذلك قال الحق: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } فلا تضعفوا أيها المؤمنون في طلب القوم لأنهم يألمون كما تألمون، ولكن لكم مرجِّحا أعلى وهو أنكم ترجون من الله ما لا يرجون.

7-ويذيل الحق قضية حث المؤمنين على طلب الكافرين وكيف يزيد المؤمنون على الكافرين بأنهم يرجون من الله ما لا يرجوه الكافرون فيقول: { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } إنه عليم بكل ما يصيب المؤمن من ألم، فلا تعتقد أيها المؤمن أن لك أجراً سيضيع منك؛ فالشوكة التي تشاك بها في القتال محسوبة لك، وهو سبحانه وتعالى حين يتركك تألم أمام الكافر كما يألم. فذلك لحكمة هي أن تسير إلى القتال وأنت واثق من قدرة إيمانك على تحمل تبعات هذا الدين.عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم: (ما يُصيب المؤمنَ مِنْ شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة).وبعد أن تكلم الحق عن القتال في سبيل نصرة دينه لم يحرم المؤمنين من توجيه يصفي أيضاً حركة الحياة، لماذا؟ لأنه علم أن قوماً يؤمنون به وينضوون تحت لوائه صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، فيوضح: أن انضواءكم أيها المؤمنون تحت لواء الإسلام له تبعات، فأنتم أول من يُطبق عليه حكم الله، وإياكم أن تظنوا أنكم بإيمانكم وإعلان إسلامكم لله واتباعكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم قد أخذتم شيئاً يميزكم عن بقية خلق الله، فكما قلنا لكم دافعوا الكفار ودافعوا المنافقين نقول لكم أيضاً: دافعوا أنفسكم؛ لأن واحداً قد ينضم إلى الإسلام وبعد ذلك يظن أن الإسلام سيعطيه فرصة ليكون له تميز على غيره، ولمثل هذا الإنسان: نقول لا. ولذلك يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم ويقول له: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ.. }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إظهار:عَلِيمًا حَكِيمًا

مد متصل:ابْتِغَاءِ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 103

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 103

فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا

ملخص الاية :

{ فأقيموا الصلاة} أي فأتموها وأقيموها كما أمرتم بحدودها، وخشوعها، وركعوعها، وسجودها، وجميع شئونها 

الصلاة رزق عبودي يحررك من أي خوف، وفضلها لا حدود له لأن فارضها هو الخالق المربي

تتحدث الاية عن:

1-كأن المؤمن مطالب بألا يسوِّف ويُؤَخِّر الصلاة عن وقتها، وأن يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وذلك لتكون الصلاة دائماً في بؤرة شعور الإنسان، بل إن المؤمن مطالب بذكر الله حتى وهو يسايف عدوه وينازله، فهو يحمل السيف ولسانه رطب بذكر الله ويقول: ” سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم “.والإنسان حين يسبح الله حتى وهو في حالة الاشتباك مع العدو لا ينساه الله. والمؤمن قد يؤخر الصلاة في حالة الاشتباك مع العدو والالتحام به، ولكن عليه أن يدفع قلبه ونفسه إلى ذكر الله، ففي وقت الصلاة يكون مع ربه فليذكره قائماً وقاعداً وفي كل حال، وبعد أن يطمئن المسلم لموقفه القتالي فليقض الصلاة. وأنه لا يترك ربه أبداً بل وهو في الحرب يكون ذلك منه أولى؛ لأنه في حالة الاحتياج إليه سبحانه، والقتال يدفع المؤمن إلى الاستعانة بربه، وإذا كان المسلم يعرف أن لله في أوقاته تجليات، فلا يحرمن واحد نفسه من هذه التجليات في أي وقت، وذكر الله يقرِّب العبد من مولاه – فسبحانه – مع عبده إذا ذكره، فإن كان الإنسان مشبعاً بالاطمئنان وقت الخوف والقتال فليذكر الله ليدعم موقفه بالقوة العليا.

2-وقوله الحق: { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي إذا انتهى الاشتباك القتالي فعلى المؤمن أن ينتقل من ذكر الله أثناء الاشتباك إلى الصلاة التي حان ميقاتها أثناء القتال. فقد كان ذكر الله وقت الاشتباك من أجل ألا يضيع وقت الصلاة بلا كرامة لهذا الوقت، وبلا كرامة للقاء العبد مع الرب. ولماذا كل ذلك؟ ويأتي القول الفصل: { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }.وقد أوضح لنا الحق صلاة الخوف، وشرع سبحانه لنا ذكره إذا ما جاء وقت الصلاة في أثناء الاشتباك القتالي، وإذا ما اتفق توقيته مع وقت الصلاة، وشرحت لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم كيفية قصر الصلاة في أثناء السفر، لماذا كل ذلك؟ لأن الصلاة فرض لا غنى عنه على الإطلاق { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }. أي أن الصلاة لها وقت.ولا يصح أن يفهم أحد هذا المعنى – كما يفهمه البعض – بأن صلاة الظهر – على سبيل المثال – وقتها ممتد من الظهر إلى العصر، وصحيح أن الإنسان إذا عاش حتى يصلي الظهر قبيل العصر فإنها تسقط عنه، ولكن ماذا يحدث لو مات العبد وقد فات عليه وقت يسعها؟ إذن فقد أثم العبد، ومن يضمن حياته حتى يؤدي الصلاة مؤجلة عن موعد أدائها؟.وقد يقول قائل: أحياناً أسمع أذان الصلاة وأكون في عمل لا أستطيع أن أتركه؛ فقد أكون في إجراء جراحة.أو راكباً طائرة. ونقول: أسألك بالله إذا كنت في هذا العمل الذي تتخيل أنك غير قادر على تركه وأردت أن تقضي حاجة، فماذا تصنع؟ إنك تذهب لقضاء حاجتك، فلماذا استقطعت جزءاً من وقتك من أجل أن تقضي حاجتك؟ وقد تجد قوماً كافرين يسهلون لك سؤالك عن دورة المياه لتقضي حاجتك.وساعة يراك هؤلاء وأنت تصلي فأنت ترى على وجوههم سمة الاستبشار؛ لأن فيهم العبودية الفطرية لله، وتجد منهم من يسهل ذلك ويحضر لك مُلاءة لتصلي فوقها، ويقف في ارتعاش سببه العبودية الفطرية لله، فلا تقل أبداً: إن الوقت لا يتسع للصلاة؛ لأن الله لا يكلف أبداً عبده شيئا ليس في سعته، والحق كلف العبد بالصلاة ومعها الوقت الذي يسعها.ولله المثل الأعلى، نحن نرى رئيس العمال في موقع ما يوزع العمل على عماله بما يسع وقت كل منهم، فما بالنا بالرب الخالق، ولذلك يقول الحق:
{  وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2-3]
والصلاة رزق عبودي يحررك من أي خوف، وفضلها لا حدود له لأن فارضها هو الخالق المربي، فكيف تبخل على نفسك أن تكون موصولا بربك؟ويقول الحق من بعد ذلك: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إدغام بغنة:قِيَامًا وَقُعُودًا -وَقُعُودًا وَعَلَىٰ-كِتَابًا مَوْقُوتًا

مد منفصل:فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 102

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 102

وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا

أسباب نزول الاية:

قوله تعالى: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ…} . [102].
أخبرنا الأستاذ أبو عثمان الزَّعْفَرَاني المقري سنة خمس وعشرين، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد السدي، سنة ثلاث وستين، قال: أخبرنا أبو سعيد الفضل بن محمد الجزري بمكة في المسجد الحرام، سنة أربع وثلثمائة، قال: أخبرنا علي بن زياد اللَّحْجِيّ، قال: حدَّثنا أبو قُرَّة موسى بن طارق، قال: ذكر سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: أخبرنا أبو عَيّاش الزُّرَقي، قال:
صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم الظهر، فقال المشركون: قد كانوا على حال لو كنا أصبنا منهم غرة، قالوا: تأتي عليهم صلاة هي أحبُّ إليهم من آبائهم. قال: وهي العصر. قال: فنزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات بين الأولى والعصر: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ} وهم بِعُسْفَان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة. وذكر صلاة الخوف.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضَّبِّي، قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب، قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدَّثنا يونس بن بكير، عن النَّضْر [أبي عمر]، عن عِكْرَمَة، عن ابن عباس، قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، فلقي المشركين بِعُسْفان، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض: كان هذا فرصة لكم، لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تُوَاقِعُوهُم. فقال قائل منهم: فإنّ لهم صلاة أخرى هي أحبّ إليهم من أهليهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها. فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ} إلى آخر الآية، وأَعْلَمَ ما ائتمر به المشركون، وذكر صلاة الخوف.

ملخص الاية :

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم صلاة الخوف بهيئات متعددة

والغفلة هي نسيان طارئ على ما لا يصح أن يُنسى، وفي هذا نحذير واضح؛ لأن الغفلة أثناء القتال هي حلم للكافرين

تتحدث الاية عن:

1-وحين يقول الحق: { فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } نفهم أن ينقسم المؤمنون إلى طائفتين: طائفة تصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، وأخرى ترقب العدو وتحمي المؤمنين.ولكن كيف تصلي طائفة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم ولا تصلي أخرى وكلهم مؤمنون يطلبون شرف الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم؟ ويأمر الحق أن يقسم النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم الصلاة ليصلي بكل طائفة مرة، ليشرف كل مقاتل بالصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم.وقصر الصلاة – كما عرفنا – ينطبق على الصلاة الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء أما صلاة الفجر وصلاة المغرب فلا قصر فيهما، فليس من المتصور أن يصلي أحد ركعة ونصف ركعة، وفي علم الحساب نحن نجبر الكسور إلى الرقم الأكبر.

2-وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم صلاة الخوف بهيئات متعددة، ولا مانع من أن نلم بها إلماماً عاجلاً؛ لأن تعليم هذه الصلاة عادة يكون واجباً على الأئمة والعلماء الذين يصلون بالجيوش في حالة الحرب. ولصلاة الخوف طرق وكيفيات: كان الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم يُقَسِّم الجيش إلى قسمين؛ قسم يصلي معه وقسم يرقب العدو، ويصلي بكل فرقة ركعتين.وهناك طريقة أخرى وهي أن يصلي بطائفة وفرقة ركعة واحدة، ثم ينصرفون وتأتي الطائفة التي حمت الطائفة الأولى في أثناء الصلاة لتصلي هذه الطائفة الثانية ركعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، وهنا يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم لأنه أنهى الصلاة.وبعد ذلك تصلي الطائفة الأولى الركعة الثانية التي عليها في القصر وتسلم، ثم تصلي الطائفة الثانية التي عليها في القصر وتسلم.وهناك كيفية ثالثة وهي أن تأتي الطائفة الأولى تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم ركعة، ولا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم معها الركعة الثانية بل يظل واقفاً قائماً إلى أن تخرج من صلاتها بالتسليم لتنادي الطائفة التي تقف في مواجهة العدو لتصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم الركعة الثانية بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم بينما هي الركعة بركعتها الثانية ويسلم النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم بها وتنال الطائفة الأولى بشرف بدء الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم وتحظى الطائفة الثانية بشرف السلام معه صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم.

3-وهنا نسأل: هل هذه الصلاة بهذا الأسلوب مقصورة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم وإتماماً به لأن الصلاة معه هي الشرف؟ فكيف يصلي المقاتلون الخوف بعده صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم؟ قال العلماء: إذا كنت تعتبر القائمين بأمر القيادة هم خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم في الولاية فتقام صلاة الخوف على صورتها التي جاءت في القرآن، ولكن إذا كان لكل جماعة إمام فلتصل كل جماعة صلاة القصر كاملة خلف الإمام.

4-{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ } وهذه الأسلحة المقصود بها الأسلحة الحقيقية مثل السيف أو الرمح أو النبلة أو البندقية فيأخذها المقاتل معه، أما من معه سلاح ثقيل فلن يأخذه بطبيعة الحال إلى الصلاة.

5-{ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } والقول القرآني هنا ليس مجرد ألفاظ تقال ولكنها ألفاظ لها مدلولات من رب العالمين، فمن قدموا إلى الصلاة أولاً: تركوا خلفهم من يحميهم.ولكن الطائفة الثانية التي سوف تترك المواقع من أجل الركعة الثانية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم فبالهم مشغول بذواتهم وبحماية من يصلون، فلعلهم حين يذهبون إلى الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم تلهيهم المسألة؛ لذلك قال الله: { وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } وهكذا نجد أن الطائفة الأولى ملزمة بأخذ السلاح، والطائفة الثانية ملزمة بأخذ الحذر والسلاح.وقد يقول قائل: صحيح إن الأسلحة تؤخذ، ولكن كيف يؤخذ الحذر وهو عملية معنوية؟ونقول: إنه سبحانه يصور المعنويات ويجسمها تجسيم الماديات حتى لا يغفل الإنسان عنها، فكأن الحذر آلة من آلات القتال، وإياك أيها المقاتل أن تغفل عنها.وهذا أمر يشيع في أساليب القرآن الكريم، فالحق سبحانه يقول:{  وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } [الحشر: 9]
والدار هي مكان باستطاعة الإنسان أن يتبوأه ويقيم به، فما معنى أن يتبوأ الإنسان الإيمان وهو أمر معنوي؟. إنه سبحانه في هذا القول يصف الأنصار الذين أكرموا وفادة المهاجرين، والدار – كما نعرف – هي المكان الذي يرجع إليه الإنسان، والإيمان هو مرجع كل أمر من الأمور.إذن فقد جعل الحق سبحانه الإيمان كأنه يُتبوأ، أي جعله شيئاً ينزل الإنسان فيه، والإيمان كذلك حقاً، والدار في هذا القول مقصود بها هنا المدينة المنورة، حيث استقبل الأنصار المهاجرين.

{  وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الحشر: 9]

6-وهكذا يجسم الحق المعنويات لنفهم منها الأمر وكأنه أمر حسّي، تماماً كما قال الحق: { فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً }.وهذا ما يوضح لنا لماذا أمر الله أن يأخذ المسلمون الحذر والأسلحة؛ لأن المقاتل يجب أن يخاف على سلاحه ومتاعه. فلو فقدها المقاتل لفقد أداة القتال ولصارت أدوات قتاله لعدوه. فحين يأخذ المقاتل السلاح من عدوه، يتحول السلاح إلى قوة ضد العدو.لذلك كان التحذير من فقد الأسلحة والأمتعة حتى لا تضاف قوة السلاح والمتاع إلى قوة العدو؛ لأن في ذلك إضعافاً للمؤمن وقوة لخصمه.وعدو الإسلام يود أن يغفل المسلمون عن الأسلحة والمتاع، والمؤمن ساعة الصلاة يستغرق بيقظته مع الله، ولكن على الإنسان ألا يفقد يقظته إن كان يصلي أثناء الحرب، فلا يصح أن ينسى الإنسان سلاحه أثناء القتال حتى وهو يصلي، فالقتال موقف لله، فلا تفصل القتال في سبيل الله عن الصلاة لله.

7-{ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ } والغفلة هي نسيان طارئ على ما لا يصح أن يُنسى، وفي هذا نحذير واضح؛ لأن الغفلة أثناء القتال هي حلم للكافرين حتى يحققوا هدفهم المتمثل في قول الله: { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً }. فمعسكر الكفر يتمنى أن يهجم على المؤمنين في لحظة واحدة، هذا هو المقصود بقوله: { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً }.

8-ولكن لنر من بعد ذلك قول الحق:
{  وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } [النساء: 102]ونجد هنا أن كلمة ” الحذر ” تكررت، وسبحانه بجلال جبروته أعد للكافرين عذاباً مهيناً، وفي ذلك بشارة منه أن الكافرين لن ينالوا من المؤمنين شيئاً، فلماذا جاء الأمر هنا بأخذ الحذر؟. إن أخذ الحذر لا يعني أن الله تخلى عن المؤمنين، ولكن لتنبيه المؤمنين أن يأخذوا بالأسباب، ولا يغفلوا عن المسبب لأنه سبحانه هيأ وأعد العذاب المهين للكافرين. { إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }.وهذا ما يجب أن نفهمه حتى لا يتوهم أحد أن الله عندما نبه كثيراً بضرورة الأخذ بالحذر ثم أنه يتخلى عنا، لا. إنّه سبحانه يوضح لنا أن نأخذ بالأسباب ولا نهملها وهو القائل { إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }.ومن بعد ذلك قال الحق: { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلاَةَ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إدغام بغنة: طَائِفَةٌ مِنْهُمْمِنْ وَرَائِكُمْ-مَيْلَةً وَاحِدَةً-وَاحِدَةً ۚ وَلَا-أَذًى مِنْ-عَذَابًا مُهِينًا

إظهار: طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ-مَطَرٍ أَوْ

مد منفصل:وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ-مَرْضَىٰ أَنْ-تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ

مد متصل: طَائِفَةٌ-وَرَائِكُمْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 101

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 101

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا

ملخص الاية :

القصر في الصلاة هو أن يؤدي المؤمن كُلاًّ من صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلاً من أربع ركعات، أما الصبح والمغرب فكلاهما على حاله، الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث ركعات

تتحدث الاية عن:

1-والضرب في الأرض مقصود به أن يمشي المؤمن في الأرض بصلابة وعزم وقوة. والقصر في الصلاة هو اختزال الكمية العددية لركعاتها. وفي اللغة ” اختصار ” و ” اقتصار “. ” الاقتصار ” أن تأخذ بعضا وتترك بعضاً، و ” الاختصار ” هو أخذ الكل بصفة موجزة. مثال ذلك عندما نختصر كتاباً ما فنحن نوجز كل المعاني التي فيه في عدد أقل من الكلمات.وقد يفكر إنسان في أن يكتب خطاباً، ثم يقول لنفسه: سأرسل برقية في الموضوع نفسه. وهنا لا بد أن يختزل الكلمات لتحمل معاني كثيرة في ألفاظ موجزة.والإسهاب – كما نعلم – لا يأخذ من الوقت مثلما يأخذ الإيجاز؛ فعندما يريد الإنسان الإيجاز فهو يقدح ذهنه – في وقت أطول – ليصل إلى المعاني في كلمات أقل.ويحكى عن سعد زغلول – زعيم ثورة 1919 المصرية – أنه كتب رسالة لصديق فأطال، وأنهى رسالته بهذه الكلمات:وإني أعتذر إليك عن التطويل فليس عندي الوقت الكافي للإيجاز. ويحكي التاريخ عن الخليفة المسلم الذي أراد أن يهدد قائد الروم.. فكتب إليه؛ أما بعد: فسآتيك بجيش أوله عندك وآخره عندي. وهكذا أوجز الخليفة حجم الخطر الداهم الذي سيواجه ملك الروم من جيش عرمرم سيملأ الأرض إلخ.وينقل التاريخ عن أحد قادة العرب وموقفه القتالى الذي كان صعباً في ” دومة الجندل ” أنه كتب إلى خالد بن الوليد كلمتين لا غيرهما ” إياك أريد ” ولم يقل أكثر من ذلك ليتضح من هذا الإيجاز حجم المعاناة التي يعانيها. وقد أوردنا هذا الكلام ونحن بصدد الحديث عن القصر والإيجاز.والقصر في الصلاة هو أن يؤدي المؤمن كُلاًّ من صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلاً من أربع ركعات، أما الصبح والمغرب فكلاهما على حاله، الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث ركعات. وحكمة مشروعية ذلك أن الصلاة في وقت الحرب تقتضي ألا ينشغل المقاتلون عن العدو، ولا ينشغلوا أيضا عن قول الحق:
{  إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [النساء: 103]
فإذا شرع الله عز وجل للخوف صلاة، وللحرب صلاة فمعنى ذلك أنه لا سبيل أبداً لأن ينسى العبد المؤمن إقامة الصلاة. وإذا كانت الصلاة واجبة في الحرب فلن تكون هناك مشاغل في الحياة أكثر من مشاغل الحرب والسيف. وصلاة الحرب – أي صلاة الخوف – جاء بها القرآن، أما صلاة السفر فقد جاءت بها السنة أيضا، وفيها يقصر المؤمن صلواته أيضاً:

{  وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } [النساء: 101]
ولو رأى الكافرون المؤمنين مصفوفين جميعاً في الصلاة فقد يهجمون عليهم هجمة واحدة. ولذلك شرع الحق قصر الصلاة.ويكون الخطاب من بعد ذلك موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إدغام بغنة:أَنْ يَفْتِنَكُمُ- عَدُوًّا مُبِينًا

إظهار: جُنَاحٌ أَنْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

 

تفسير سورة النساء الاية 100

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 100

وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا

أسباب نزول الاية:

قوله تعالى: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ} . [100].
قال ابن عباس في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة بما ينزل فيهم من القرآن، فكتب الآية التي نزلت: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ} فلما قرأها المسلمون قال حبيب بن ضَمْرَة اللَّيثي لبنيه، وكان شيخاً كبيراً: احملوني فإني لست من المستضعفين، وإني لا أهتدي إلى الطريق. فحمله بنوه على سرير متوجهاً إلى المدينة؛ فلما بلغ “التَّنْعِيمَ” أشْرَفَ على الموت فصفّق يمينه على شماله وقال: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، أبايعك على ما بايعتك يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم. ومات حميداً. فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم، فقالوا: لو وَافَى المدينةَ لكان أتم أجراً. فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.
أخبرنا أبو حسان المُزَنيُّ، قال: أخبرنا هارون بن محمد بن هارون، قال: أخبرنا إسحاق بن محمد الخُزَاعي، قال: حدَّثنا أبو اليد الأَزْرَقِي، قال: حدَّثنا جدّي، قال: حدَّثنا سفيان بن عُيَيْنَة، عن عَمْرِو بن دينار، عن عِكْرَمَة، قال:كان بمكة ناس قد دخلهم الإسلام ولم يستطيعوا الهجرة، فلما كان يوم بدر وخُرِجَ بهم كَرْهاً قتلوا؛ فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ} إلى قوله تعالى: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} إلى آخر الآية. قال فكتب بذلك من كان بالمدينة إلى من بمكة ممن أسلم، فقال رجل من بني بكر وكان مريضاً: أخرجوني إلى “الرَّوْحَاء”. فخرجوا به فخرج يريد المدينة، فلما بلغ “الحَصْحَاص” مات، فأنزل الله تعالى: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ} .

ملخص الاية :

-قوله تعالى: { ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} وهذا تحريض على الهجرة، وترغيب في مفارقة المشركين وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه، والمراغم مصدر تقول العرب: راغم فلان قومه مراغماً ومراغمة، قال النابغة ابن جعدة: كطود يلاذ بأركانه ** عزيز المراغم والمهرب وقال ابن عباس: المراغم التحول من أرض إلى أرض، وقال مجاهد { مراغماً كثيراً} يعني: متزحزحاً عما يكره، والظاهر واللّه أعلم أنه المنع الذي يتخلص به ويراغم به الأعداء، قوله: { وسعة} يعني الرزق قاله غير واحد منهم قتادة حيث قال في قوله { يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} أي من الضلالة إلى الهدى، ومن القلة إلى الغنى. وقوله تعالى: { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اللّه ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه} أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند اللّه ثواب من هاجر كما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم : (إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال، ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسع و تسعين نفساً، ثم أكمل بذلك العابد المائة ثم سأل عالماً هل له من توبة، فقال له: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد اللّه فيه، فلما ارتحل من بلده مهاجراً إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقال هؤلاء إنه جاء تائباً، وقال هؤلاء: إنه لم يصل بعد، فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها، فأمر اللّه هذه أن تقترب من هذه، وهذه أن تبعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة. قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عتيك قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم يقول: (من خرج من بيته مجاهداً في سبيل اللّه، فخرَّ عن دابته فقد وقع أجره على اللّه، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على اللّه، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على اللّه ) وقال ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما قال: خرج ضمرة بن جندب إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم فنزلت الآية، وقال الحافظ أبو يعلى عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً في سبيل اللّه فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة)  

تتحدث الاية عن:

1-الذي يهاجر في سبيل الله سيجد السعة إن كان قد وضع في نفسه العملية الإيمانية. وفي البداية كان المسلمون يهاجرون إلى الحبشة؛ لأنهم لم يكونوا آمنين في مكة على دينهم.ولذلك قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم بسط الله له كونه واستعرض قضية العدالة في الكون، فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم إلا أن يذهب المهاجرون إلى الحبشة، ولابد أن الحق عز وجل قد أعلمه أن الحبشة في ذلك الزمان هي أرض بلا فتنة.وقد يقول قائل: ولماذا لم يختر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم أن يهاجر المهاجرون الأوائل إلى قبيلة عربية في الجنوب أو في الشمال؟لقد كانت لقريش السيادة على كل الجزيرة العربية بقبائلها، فكل القبائل تحج عند قريش ولم تكن هناك أي بيئة عربية قادرة على أن تقف أمام هوى قريش. ولذلك استعرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم البلاد جميعاً إلى أن أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، والعلة في الذهاب إلى الحبشة أن هناك ملكاً لا يظلم عنده أحد. وكان العدل في ذاته وساماً لذلك الملك وسماها المؤمنون دار أمن، وإن لم تكن دار إيمان. وأما الهجرة إلى المدينة فقد كانت إلى دار الإيمان. وعلينا أن نعرف نحن الذين نعيش في هذا الزمان أنه لا هجرة بعد الفتح، إلا إن كانت هجرة يقصد بها صاحبها المعونة على طاعة الله. وهو ما يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم: ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه “. وهناك هجرة باقية لنا وهي الحج، أو الهجرة إلى طلب العلم، أو الهجرة لأن هناك مجالاً للطاعة أكثر، فلنفترض أن هناك مكاناً يضيق الحكام فيه على الذهاب إلى المسجد، فيترك أهل الإيمان هذا المكان إلى مكان فيه مجال يأخذ فيه الإنسان حرية أداء الفروض الدينية، كل هذه هجرات إلى الله. والنية في هذه الهجرات لا يمكن أن تكون محصورة فقط في طلب سعة العيش. ولذلك لا يصح أن يكون الشغل الشاغل للناس ما يشغلهم في هذا الزمان هو سعة العيش.

2-وها هو ذا الإمام على – كرم الله وجهه – يقول: عجبت للقوم يَسْعَوْنَ فيما ضُمِن – بالبناء للمفعول – لهم ويتركون ما طلب منهم. فكل سعى الناس إنما هو للرزق والعيش وهو أمر مضمون لهم من خالقهم جل وعلا

3-{  وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
[النساء: 100].ولن يجد المهاجر إلا السعة من الله، والشاعر يقول:

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها     ولكن أخلاق الرجال تضيق

وقد يقول الإنسان: إنني أطلب سعة الرزق بالهجرة، ونقول: أنت تبحث عن وظيفة لها شكل العمل وباطنها هو الكسل لأنك في مجال حياتك تجد أعمالاً كثيرة.ونجد بعضاً ممن يطلبون سعة الرزق يريد الواحد منهم أن يجلس على مكتب ويقبض مرتباً، بينما يبحث المجتمع عن العامل الفني بصعوبة، كأن الذين يبحثون عن سعة الرزق يريدون هذه السعة مع الكسل، لا مع بذل الجهد.

4-{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً } وساعة تقرأ كلمة ” مراغم ” تعرف أنها تفتح المجال أمام المستضعفين الذين يستذلهم الجبارون. ومادة ” مراغم ” هي ” الراء والغين والميم ” والأصل فيها ” الرّغام ” أي ” التراب “. ويقال: سوف أفعل كذا وأنف فلان راغم، أي أنف فلان يذهب إلى التراب وسأفعل ما أنا مصمم عليه. وما دام هناك إنسان سيفعل شيئاً برغم أنف إنسان آخر، فمعناه أن الثاني كان يريد أن يستذله وأراد أن يرغمه على شيء، لكنه رفض وفعل ما يريد.وعندما يرى الإنسان جباراً يشمخ بأنفه ويتكبر، فهو يحاول أن يعانده ويصنع غير ما يريد ويجعل مكانه هذا الأنف في التراب، ويقال في المثل الشعبي: أريد أن أكسر أنف فلان.وعندما يهاجر من كان مستعضفا ويعاني من الذلة في بلده، سيجد أرضاً يعثر فيها على ما يرغم أنف عدوه. فيقول العدو: برغم أننى ضيقت عليه راح إلى أحسن مما كنت أتوقع. ويرغم الإنسان بهجرته أنف الجبارين.وكلمة ” مراغم ” هي اسم مفعول، وتعني مكاناً إذا ما وصلت إليه ترغم أنف خصمك الذي كان يستضعفك، فهل هناك أفضل من هذا؟.{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً } أي أنه سبحانه يعطي المهاجر أشياء تجعل من كان يستضعفه ويستذلّه يشعر بالخزي إلى درجة أن تكون أنفه في الرَّغام.والمستضعف في أرضٍ ما يجد من يضيق عليه حركته، لكنه عندما يهاجر في سبيل الله سيجد سعة ورزقاً.

5-ويتابع الحق الآية: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ولا أحد يعرف ميعاد الموت. فإن هاجر إنسان في سبيل الله فقد لا يصل إلى المراغم؛ لأن الموت قد يأتيه، وهنا يقع أجره على الله. فإذا كان سبحانه قد وعد المهاجر في سبيله بالمكان الذي يرغم أنف خصمه وذلك سبب، ومن مات قبل أن يصل إلى ذلك السبب فهو قد ذهب إلى رب السبب، ومن المؤكد أن الذهاب إلى رب السبب أكثر عطاءً. وهكذا نجد أن المهاجر رابح حياً أو ميتاً.

6-{ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } وكلمة { وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي سقط أجره على الله.كأن الحق سبحانه وتعالى يقول للعبد: أنت عندما تهاجر إلى أرض الله الواسعة، إن أدركك الموت قبل أن تصل إلى السعة والمراغم، فأنت تذهب إلى رحابي. والمراغم سبب من أسبابي وأنا المسبب.وحتى نفهم معنى: { وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } علينا أن نقرأ قوله الحق:{  وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } [النمل: 82]والوقوع هنا هو سقوط، ولكنه ليس كالسقوط الذي نعرفه، بل هو الذهاب إلى الله. ولماذا يستخدم الحق هنا ” وقع ” بمعنى ” سقط “؟هو سبحانه يلفتنا إلى ملحظ هام: حيث يكون الجزاء أحرص على العبد من حرص العبد عليه، فإذا ما أدرك العبد الموت فالجزاء يسعى إليه وهو عند الله، ويعرف الجزاء مَن يذهب إليه معرفة كاملة.وهكذا يجب أن نفهم قوله الحق:
{  وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 100]والله غفور رحيم حتى لمن توانى قليلاً، وذلك حتى يلحق بالركب الإيماني ويتدارك ما فاته؛ لأن الله يغفر ما فات إن حاول العبد تداركه. والهجرة تقتضي ضرباً في الأرض، وتقتضي الجهاد.وبعد أن جعل الله الإسلام أركاناً، جاء فحمل المسلم ما يمكن أن يؤديه من هذه الأركان، فأركان الإسلام هي: الشهادة؛ والصلاة؛ والصوم؛ والزكاة؛ والحج لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، والمسلم ينطق بالشهادة ويؤدي الصلاة، ولكنه قد لا يملك مالاً؛ لذلك يعفيه الحق من الزكاة. وقد يكون صاحب مرض دائم فلا يستطيع الصوم، فيعفيه الله من الصوم. وقد لا تكون عنده القدرة على الحج فيعفيه الحق من الحج. أما شهادة ” لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ” فقد لا يقولها المسلم في العمر إلا مرة واحدة. ولم يبق إلا ركن الصلاة وهو لا يسقط عن الإنسان أبداً ما دامت فيه الصلاحية لأدائها، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم :” رأس الأمر كله الإسلام وعموده الصلاة ” ولأن الصلاة هي الركن الذي لا يسقط أبداً فقد جمع الله فيها كل الأركان، فعند إقامة الصلاة يشهد المسلم ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وخلال الصلاة يصوم الإنسان عن الطعام والشراب، وإضافة إلى ذلك يصوم ويمتنع عن الكلام أيضا، وهكذا نجد الصلاة أوسع في الإمساك عن ركن الصيام. فالإنسان وهو يقيم الصلاة يحبس نفسه عن أشياء كثيرة قد يفعلها وهو صائم، فالصوم – مثلاً – لا يمنع الإنسان من الحركة إلى أي مكان لكن الصلاة تمنع الإنسان إلا من الوقوف بين يدي الله.إذن فالصلاة تأخذ إمساكاً من نوع أوسع من إمساك المؤمن في الصيام. والزكاة هي إخراج جزء من المال، والمال يأتي به الإنسان من الحركة والعمل. والحركة والعمل تأخذ من الوقت. وحين يصلي المسلم فهو يزكي بالأصل، إنه يزكي ببذل الوقت الذي هو وعاء الحركة، إذن ففي الصلاة زكاة واسعة.والحج إلى البيت الحرام موجود في الصلاة؛ لأن المسلم يتحرى الاتجاه إلى البيت الحرام كقبلة في كل صلاة، وهكذا.ولذلك اختلفت الصلاة عن بقية الأركان. فلم تشرع بواسطة الوحي، وإنما شرعت بالمباشرة بين رب محمد ومحمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم. ولأن هذه هي منزلة الصلاة نجد الحق يحذرنا من أن يشغلنا الضرب في الأرض عنها، بل شرع سبحانه صلاة مخصوصة اسمها ” صلاة الحرب وصلاة الخوف ” حتى لا يقولن أحد إن الحرب تمنعنا من الصلاة، ففي الحرب يكون من الأولى بالمسلم أن يلتحم بمنهج ربه.

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إدغام بغنة:وَمَنْ يُهَاجِرْ-وَسَعَةً ۚ وَمَنْ-وَمَنْ يَخْرُجْ 

مد صلة صغرى:بَيْتِهِ مُهَاجِرًا-وَرَسُولِهِ ثُمَّ – أَجْرُهُ عَلَى

إقلاب: مِنْ بَيْتِهِ

إخفاء:مُرَاغَمًا كَثِيرًا

إظهار:مُهَاجِرًا إِلَى

إدغام كامل: غَفُورًا رَحِيمًا 

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 99

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 99

فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا

ملخص الاية :

-قوله تعالى: { فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم} أي يتجاوز اللّه عنهم بترك الهجرة، و عسى من اللّه موجبة { وكان اللّه عفواً غفوراً} قال البخاري عن أبي هريرة قال: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع اللّه لمن حمده؛ ثم قال قبل أن يسجد: (اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف} ، وقال البخاري عن ابن عباس: { إلا المستضعفين} قال: كنت أنا وأمي ممن عذر اللّه عزَّ وجلَّ

تتحدث الاية عن:

1-{ فَأُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى من جاء ذكرهم في الآية السابقة لهذه الآية:
{  إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً }
[النساء: 98].ومع ذلك فإن الله حين أشار إلى هؤلاء المستضعفين بحق قال:{ فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } [النساء: 99].وكان مقتضي الكلام أن يقول الحق: ” فأولئك عفا الله عنهم ” ، لكن الحق جاء بـ ” عسى ” ليحثهم على رجاء أن يعفو الله عنهم، والرجاء من الممكن أن يحدث أَوْ لا يحدث. ونعرف أن ” عسى ” للرجاء، وأنها تستخدم حين يأتي بعدها أمر محجوب نحب أن يقع.فقد ترجو شيئاً من غيرك وتقول: عساك أن تفعل كذا. وقد يقول الإنسان: عساي أن أفعل كذا، وهنا يكون القائل هو الذي يملك الفعل وهذا أقوى قليلاً، ولكن الإنسان قد تخونه قوته؛ لذلك فعليه أن يقول: عسى الله أن يفعل كذا، وفي هذا الاعتماد على مطلق القوة. وإذا كان الله هو الذي يقول: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } ، فهذا إطماع من كريم قادر.

2-وبعد أن يذكر لنا القصة التي تحدث لكل من مات وتوفته الملائكة ظالماً نفسه بأن ظل في أرض ومكث فيها، وكان من الممكن أن يهاجر إلى أرض إيمانية إسلامية سواها؛ ومع ذلك فالذي يضع في نفسه شيئاً يريد أن يحقق به قضية إيمانية فهو معان عليها لأن الله سبحانه وتعالى يقول: { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ… }.

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إدغام بغنة:أَنْ يَعْفُوَ

إظهار:عَفُوًّا غَفُورًا 

مد متصل: فَأُولَٰئِكَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 98

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 98

إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا

ملخص الاية :

-قوله تعالى: { إلا المستضعفين} ، هذا عذر من اللّه عز وجل لهؤلاء في ترك الهجرة وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق، ولهذا قال: { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} قال مجاهد: يعني طريقاً

تتحدث الاية عن:

1-وعلينا أن نعرف أن هناك فرقاً بين ” مستضعف دعوى ومستضعف حقيقي ” ، فهناك مستضعف قد قبل استضعاف غيره له وجعل من نفسه ضعيفاً. هذا هو ” مستضعف دعوى “.أما ” المستضعف الحقيقي ” فهو مِن هؤلاء الذين يحددهم الحق:{ إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً }. هؤلاء هم المستضعفون فعلاً حسب طبيعة عجزهم من الرجال والنساء والولدان.هل الولد من الولدان يكون مستضعفاً؟ نعم؛ لأن الاستضعاف إما أن يكون طارئاً وإما أن يكون ذاتياً؛ فبعض من الرجال يكون مملوكاً لغيره ولا يقدر على التصرف أو الذهاب، وكذلك النساء؛ فالمرأة لا تستطيع أن تمشي وحدها وتحمي نفسها، بل لا بد أن يوجد معها من يحميها من زوج أو محرم لها، وكذلك الولدان؛ لأنهم بطيعتهم غير مكلفين وهم بذلك يخرجون عن نطاق التعنيف من الملائكة لأنهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

2-وهذه دقة في الأداء القرآني، فالإنسان مكلف بالخروج عن ظلم غيره له ولو بالاحتيال، والاحتيال هو إعمال الفكر إعمالاً يعطي للإنسان فرصة أكثر مما هو متاح له بالفعل. فقد تكون القوة ضعيفة. ولكن بالاحتيال قد يوسع الإنسان من فرص القوة. ومثال ذلك: الإنسان حين يريد أن يحمل صخرة، قد لا يستطيع ذلك بيديه، لكنه يأتي بقضيب من الحديد ويصنع منه عتلة ويضع تحت العتلة عجلة، ليدحرج الصخرة، هذه هي حيلة من الحيل، وكذلك السَّقالات التي نبني عليها، إنها حيلة.والذي قام ببناء الهرم، كيف وضع الحجر الأخير على القمة؟ لقد فعل ذلك بالحيلة، والذي جلس لينحت مسلة من الجرانيت طولها يزيد على العشرة الأمتار، ثم نقلها وأقامها إنّه فعل ذلك بالحيلة. فالحيلة هو فكر يعطي الإنسان قدرة فوق قدرته على المقدور عليه، كذلك معرفة السبيل إلى الهجرة. وكانت معرفة الطرق إلى الهجرة من مكة إلى المدينة في زمن رسول الله صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم تحتاج إلى خبرة حتى يتجنب الواحد منهم المفازات والمتاهات، وحينما قال الرسول صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم بالهجرة أحضر دليلاً للطريق، وكان دليله كافراً، فلا يتأتى السير في مثل هذه الأرض بلا دليل.ولننظر إلى قول الحق سبحانه: { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى… }.

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إدغام بغنة:حِيلَةً وَلَا

مد متصل: وَالنِّسَاءِ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة النساء الاية 97

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 97

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا

أسباب نزول الاية:

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ…} الآية [97].
نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا، وأظهروا الإِيمان وأسرُّوا النفاق؛ فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقُتِلوا، فضربت الملائكة وجوهَهم وأدبارهم، وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، قال: أخبرنا أبو يحيى، قال: حدَّثنا سهل بن عثمان، قال: حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث بن سواد، عن عكرمة، عن ابن عباس: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ} وتلاها إلى آخرها، قال:كانوا قوماً من المسلمين بمكة، فخرجوا في قوم من المشركين في قتال، فقتلوا معهم. فنزلت هذه الآية.

ملخص الاية :

–نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى: { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} أي بترك الهجرة { قالوا فيم كنتم} أي لم مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة؟ { قالوا كنا مستضعفين في الأرض} أي لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض { قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة} الآية، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى اله وصحبة وسلم : (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله) “”أخرجه أبو داود في السنن””

تتحدث الاية عن:

1-هؤلاء هم الذين يظلمون أنفسهم بعدم المشاركة في الجهاد وهذا ما يحدث لهم عندما تقبض الملائكة أرواحهم. و ” التوفي ” معناه ” القبض “؛ فيقال: ” توفيت دَيْني ” أي قبضته مستوفياً. ويقال: ” توفي الله الإنسان ” أي قبضه إليه مستوفياً. والقبض له أمر أعلى، وهو الحق. ومن بعد ذلك هناك موكل عام هو ” عزرائيل ” ملك الموت، وهناك معاونون لعزرائيل وهم الملائكة. فإذا نسبت الوفاة فهي تنسب مرة لله، فالله يتوفى: لأنه الآمر الأعلى، وتنسب الوفاة للملائكة في قوله:{  حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [الأنعام: 61]. وتنسب الوفاة إلى عزرائيل.{  قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [السجدة: 11].وإذا ما أطلق الحق هذه الأساليب الثلاثة في وصف عملية الوفاة فهل هذا اختلاف وتناقض وتضارب في أساليب القرآن؟ لا، بل هو إيضاح لمراحل الولاية التي صنعها الله، فهو الآمر الأعلى يصدر الأمر إلى عزرائيل، وعزرائيل يطلق الأمر لجنوده. وفي حياتنا ما يشرح لنا هذا المثل – ولله المثل الأعلى – فالتلميذ قد يذهب إلى المدرسة بعد امتحان آخر العام ويعود إلى بيته قائلاً: لقد وجدت نفسي راسباً، والسبب في ذلك هم المدرسون الذين قصدوا عدم إنجاحي.ويرد عليه والده: المدرسون لم يفعلوا ذلك، ولكن اللوائح التي وضعتها الوزارة لتصحيح الامتحانات هي التي جعلتك راسباً. فيرد التلميذ: لقد جعلني الناظر راسباً. وهذا قول صحيح؛ لأن الناظر يطبق القوانين التي يحكم بمقتضاها على الطالب أن يكون ناجحا أو راسبا. وقد يقول التلميذ: إن وزير التربية والتعليم هو من جعلني راسباً. وهذا أيضاً صحيح؛ لأن الوزير يرسم مع معاونية الخطوط الأساسية التي يتم حساب درجات كل تلميذ عليها، فإذا قال التلميذ: لقد جعلتني الدولة راسباً، فهو قول صحيح؛ لأنه فهم تسلسل التقنين إلى مراحل العلو المختلفة، وأي حلقة من هذه الحلقات تصلح أن تكون فاعلاً. ومن هنا نفهم أن الحق سبحانه حين يقول:
{  ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [الزمر: 42].
فهذا قول صحيح، مثل قوله سبحانه:

{  قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [السجدة: 11].
ومثل قوله سبحانه:

{  تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [الأنعام: 61].
كل هذه الأقوال صحيحة؛ لأنها تتعلق بمدارج الآمر.

2-{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } والظلم هو أن تأتي لغير ذي الحق وتعطيه ما تأخذ من ذي الحق، والظلم يقتضي ظالماً ومظلوماً وأمرا وقع الظلم فيه. فكيف يكون الإنسان ظالماً لنفسه وتتوفاه الملائكة على ذلك؟. لا بد أنهم فعلوا ما يستحق ذلك. فساعة تأتي للإنسان الشخصية المعنوية الإيمانية بعد أن آمن بالله وآمن بالمنهج، ثم تحدثه نفسه بالمخالفة، هنا يواجه صراعاً بين أمرين: مسئولية الشخصية الإيمانية التي تَقَبَّل بها المنهج من الله، ووازع النفس التي تلح عليه بالانحراف.ويدور ما هو أشبه بالحوار بين المسئولية الإيمانية ووزاع النفس الملح بالانحراف. وعندما تتغلب النفس الإيمانية يعرف الإنسان أن نفسه صارت مطمئنة وسعيدة، ويقول لنفسه: إنك إن طاوعت وازع الانحراف تكن قد حققت شهوة عاجلة ستكْوى بها في آخر الأمر، وأنت برفضك للشهوة تكون قد أنصفت نفسك. ولو طاوعت شهوتك العاجلة تكون قد ظلمت نفسك.ومثل ذلك يحدث في حياتنا العادية: عندما تدلل الأم ابنها بينما يطلب منه والده الاستذكار ويحاول أن يردعه ليقوم بمسئوليته الدراسية، إن هذه الأم تظلم ابنها، وكذلك يعطينا الحق فكرة عن الصراع بين الشخصية الإيمانية والنفس الانحرافية التي تريد الهوى فقط فيقول:
{  وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27].
هنا يقول هابيل لقابيل:– ولماذا تقتلني؟. إنني لست أنا الذي تقبل القربان ولكن الذي تقبله هو الله فما ذنبي؟.ويأتي بعد ذلك الحوار:

{  لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ }
[المائدة: 28].
ولنلتفت إلى هذا القول الحكيم:

{  فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } [المائدة: 30].
كأن هناك صراعاً في نفس قابيل بين أمرين ” اقتل ” و ” لا تقتل ” ، النفس الإيمانية تقول: ” لا تقتل ” والنفس الشهوانية تقول: ” بل عليك أن تقتل “.وتغلبت النفس الشهوانية عندما طوعت له قتل أخيه، ومهدت له ذلك. وبعد أن قتل أخاه، وضاعت شِرَّة الغضب صار من النادمين، ثم بدأت الحيثيات تظهر وتتضح. ويبعث الله غراباً يبحث ويحفر في الأرض ليواري جثة غراب آخر. هنا قال قابيل:{  أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } [المائدة: 31].
وهكذا نرى أن ظلم النفس هو أن نخالف ما شرع الله للنفس لينفعها نفعاً أبدياً مستوفياً، ولكن النفس قد تندفع وراء حبها للشهوات وتمنيها للنفع العاجل الذي لا خلود له، وعندما يحقق الإنسان هذا النفع العاجل لنفسه فهو يظلم نفسه.

3-{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } إذن فالملائكة تسأل ظالمي أنفسهم: { فِيمَ كُنتُمْ } أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ والاستفهام هنا للتوبيخ والتقريع أي لماذا ظلمتم أنفسكم؟ ولماذا لم تفعلوا مثلما فعل إخوانكم وهاجرتم وانضممتم لموكب الإيمان وموكب الجهاد؟.، ولماذا ظللتم في أماكنكم محجوزين ومحاصرين ولا تستطيعون الحركة ولا تستيطعون الفِكاك؟ وتكون إجابة الذين ظلموا أنفسهم: { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ }. وبالله عندما يحكي لنا الله هذه الصورة التي تحدث يوم القيامة فهل سيكون عندنا وقت للاستفادة منها؟. طبعاً لا؛ لأنه لن يكون لنا قدرة الاستدراك لنصحح الخطأ.والحق حين يقص علينا هذا المشهد فذلك من لطفه بنا، وتنبيه لكل منا: احذروا أن يأتي موقف ويحدث فيه ما أوضحته لكم ولن يستطيع أحد أن يستدرك الحياة ليصنع العمل الطيب.وعلى كل منكم أن يبحث أمر نفسه الآن.

4-{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } وكلمة { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } تفيد أن قوماً استضعفوهم، أي أنهم لم يكونوا قادرين على الخروج والهجرة ولا يعرفون السبيل إليها، وخافوا على أموالهم وديارهم، والقوم الذين استضعفوهم قالوا لهم: إن خرجتم لا تأخذوا شيئاً من أموالكم. هذه هي بعض مظاهر الاستضعاف. وهنا تقول الملائكة ما يفيد أن هذا الكلام لا يليق ولا ينفع، تقول الملائكة: { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا }.وكأن هذا تنبيه آخر، وإعلان أن مثل هذا القول ومثل تلك الحجة لا قيمة لها؛ لأن الذي يمسكه مكانه وماله دون الله إنما هو من وضع وربط يقينه بالأسباب. أما الذي يضع منهج الله فوق مكانه وولده وكل شيء فهذا هو الذي وثق بالله لأنه هو المسبب وهو مانح ومعطي الأسباب.

5-{ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } وهذا القول على لسان الملائكة قادم من القانون الأعلى، فقد خلق الحق الخلق جميعاً واسكنهم في الأرض، وهذه الأرض ليست لأحد دون أحد، فمن يضق به مكان فليذهب إلى مكان آخر.وإذا كان الإنسان من ظلمه وجبروته وعتوه قد صنع تحديدا للمكان، فلا ينتقل إنسان من مكان إلى مكان إلا بعد سلسلة طويلة من التعقيدات التي تحول دون الانتقال من مكان إلى مكان، فذلك مناقضة لقضية الخلافة في الأرض؛ لأن الخلافة لم توزع كل جماعة على أرض ما. ولكن الإنسان، كل إنسان خليفة في الأرض كل الأرض، مصداقاً لقول الحق:{  وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [الرحمن: 10].
فقد جعل الله الأرض متضعة مسخرة مذللة للإنسان، والأرض هي أي أرض، والأنام هم كل الأنام. وإن لم ينتبه العالم إلى هذه القضية ويجعلها قضية كونية اجتماعية، سيظل العالم في فساد وشقاء. فالذي يجعل الحياة في الأرض فاسدة هو خروج بعض الآراء التي تقول: إن الكثافة السكانية تمنع أن نجد الطعام لسكان بلد ما. يقولون ذلك في حين أن أرضاً أخرى تحتاج إلى أيد عاملة، ولذلك نجد أن البشرية أمام وضع مقلوب، فأرض في بلاد تحتاج إلى أناس، وأناس من بلاد يحتاجون إلى الأرض.ومن الواجب أن تسيح المسألة فتأخذ الأرض التي بلا رجال ما تحتاجه من الرجال من البلاد التي لا أرض فيها. وهذا الضجيج الذي يعلو في الكون سببه أنه يوجد في كون الله أرض بلا رجال ورجال بلا أرض، فإذا ما ضاق مكان بإنسان فله أن يذهب إلى مكان آخر، ولو كان الأمر كذلك لسعدت البشرية، ومن ينقض هذه القضية فعلية أن يعرف أنه ياخذ الخلافة في الأرض بغير شروطها، فالذي يفسد الأمر في الأرض أن الإنسان الخليفة في الأرض نسي أنه خليفة واعتبر نفسه أصيلاً في الكون.وما دام قد اعتبر نفسه أصيلاً في الكون فهذا هو الفساد.

6-{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [النساء: 97].إذن، فإن أقام الإنسان على ضيم ولم يعمل فكره وعقله ولم يطرح قضية الكون أمامه ليرى الأرض التي تسعه فيهاجر فيها فعلية أن يعرف أنه مهدد بسوء المصير؛ لأن الله قد جعل له الكون كله ليكون فيه خليفة، أمّا الذين سوف ينجون من هذا العقاب ومن تعنيف الملائكة لهم ساعة الوفاة فهم مَن يقول عنهم الحق في الآية التالية: { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ… }.

جزء تعليم القراءة والتلاوة

إخفاء:وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا

مد منفصل:ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ- قَالُوا أَلَمْ

مد متصل: الْمَلَائِكَةُ-فَأُولَٰئِكَ-وَسَاءَتْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب