نتوقف للمراجعــــة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

بفضل الله تعالى كل يوم كنا نفسر أية -اليوم أنهينا ربع من سورة ال عمران لذا سوف نتوقف عن التفسير حتى يوم الاثنين  لمراجعة حفظ الايات وتفسيرها  من بداية سورة ال عمران الى ما توقفنا ونعود بأذن الله تعالى

اللهم إني أسألك حفظ القرآن الكريم وتدبر آياته والعمل بها أمين أمين أمين يا رب العالميين

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

 

تفسير سورة آل عمران الاية 51

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 51

إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ

ملخص الايات:

–المنهج جاء من السماء ليقول للإنسان ” افعل ” ولا ” تفعل ” إذن فهناك مشقة في أن يحمل الإنسان نفسه على أن يقوم بعمل ما من أعمال التكليف، ومشقة أخرى في أن يبتعد عن عمل نهى عنه التكليف

الذي يعتبر أن الحياة هي الهدف، فهو يريد أن يحقق لنفسه أكبر قدر من اللذة فيها. أما الذي يعرف أن الهدف ليس هو الحياة، إنما الحياة مرحلة، نسأله.. ما الهدف إذن، فيقول: إنه لقاء الله والآخرة.

-إن علينا أن نحسن استقبال ما يقضي به الله في خلقه، ونعرف أنه حكيم وأنه رحيم وأن كل شيء منه يجب ألا نفهمه خارجا عن الحكمة.

تتحدث الاية عن:

1-إذن اجتمع الرسول والمرسل إليهم في أنهم جميعا مربوبون إلى إله واحد، هو الذي يتولَّى تربيتهم والتربية تقتضي إيجادا من عدم، وتقتضي إمدادا من عدم، وتقتضي رعاية قيومية، وسيدنا عيسى ابن مريم علية السلام  يقر بعبوديته لله  عز وجل وكأنه يقول: وأنا لم أصنع ذلك لأكون سيدا عليكم، ولكن أنا وأنتم مشتركون في العبودية لله. { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم }.

2-ومعنى { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم } أي أنه صراط غير ملتويا لأن الطريق إذ إلتوى؛ انحرف عن الهدف، وحتى تعرف أن الكل يسير على طريق مستقيم واحد، فلتعلم أنك إذا نظرت على سبيل المثال إلى الدائرة، فستجد أن لها محيطا، ولها مركزا، ومركز الدائرة هو الذي نضع فيه ” سن الفرجار ” حتى نرسم الدائرة، وبعد ذلك تصل من المركز إلى المحيط بأنصاف أقطار، وكلما بعدنا عن المركز زاد الفرق، وكلما تقرب من المركز تتلاشى الفروق.فإذا ما كان الخلق جميعا يلتقون عند المركز الواحد فهذا يعني الاتفاق، لكن الاختلاف يحدث بين البشر كلما بعدوا عن المركز ولذلك لا تجد للناس أهواء ولا نجد الناس شيعا إلا إذا ابتعدوا عن المركز الجامع لهم والمركز الجامع لهم هو العبودية للإله الواحد، وما دامت عبوديته لإله واحد ففي هذا جمع للناس بلا هوى أو تفرق.إنه حتى في الأمر الحسي وهو الدائرة المرسومة، نجد أن الأقطار المأخوذة من المحيط وتمر بمركز الدائرة، سنجد أنه في مسافة ما قبل المركز تتداخل الأقطار إلى أن تصير عند نقطة المركز شيئا واحدا لا انفصال بينها أبدا. وهكذا الناس إذا التقوا جميعا عند مركز عبوديتهم للإله الواحد، فإذا ما اختلفوا، بعدوا عن العبودية للإله الواحد بمقدار ذلك الاختلاف.
ولذلك دعا المسيح عيسى ابن مريم الناس لعبادة الله { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم } ذلك هو منطق سيدنا عيسى علية السلام. كان منطقه الأول حينما كان في المهد

{  قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [مريم: 30].

إن قضية عبوديته لله قد حُسمت من البداية، وهي قضية القمة، إنه عبد الله والقضية الثانية هي قضية الرسالة ونقل مراد الله وتكليفه إلى خلق الله حتى يبنوا حركة حياتهم على مقتضى ما أنزل الله عليهم، ومن الطبيعي أن أي رسول عندما يأتي بمنهج من عند الله، فالهدف أن يحمل الناس جميعا على سلوك هذا المنهج، ويحدد حركة حياتهم بـ ” افعل كذا ” و ” لا تفعل كذا ” وعندما يسمع الواحد من الناس الأمر بـ ” افعل ” فقد يجد في التكليف مشقة، لماذا؟ لأنها تلزمه بعمل قد يثقل عليه، و ” لا تفعل كذا ” فيها مشقة؛ لأنها تبعده عن عمل كان يحبه.والمرء في الأحداث بين اثنين: عمل يشق عليه فيحب أن يجتنبه، وعمل يستهويه فيحب أن يقترب منه، والمنهج جاء من السماء ليقول للإنسان ” افعل ” ولا ” تفعل ” إذن فهناك مشقة في أن يحمل الإنسان نفسه على أن يقوم بعمل ما من أعمال التكليف، ومشقة أخرى في أن يبتعد عن عمل نهى عنه التكليف ومعظم الناس لا تلتفت إلى الغاية الأصيلة؛ ولا يفهمونها حق الفهم، فيأتي أنصار الشر؛ ولا يعجبهم حمل نفوسهم على مرادات خالقهم. إن أفكار الشر تلح على صاحبها فيتمرد على التكليف الإيماني، وأفكار الشر تحاول الاقتراب بصاحبها من فعل الأمور التي حرمها التكليف. ولذلك ينقسم الناس لأنهم لم يحددوا هدفهم في الوجود.إن كل حركة في الوجود يمكننا أن نعرف أنها حركة إيمانية في صالح انسجام الإنسان مع الكون، أو هي حركة غير إيمانية تفسد انسجام الإنسان مع فطرته ومع الكون، فإذا كانت الحركة تصل بالإنسان إلى هدفه الإيماني. فستكون حركة طيبة وحسنة بالنسبة للمؤمن، وإذا كانت تبعده عن هدفه تكون حركة سيئة وباطلة، وهكذا نرى أن الهدف هو الذي يحدد الحركة.إن التلميذ الذي يذهب إلى المدرسة له هدف بأن يتخرج في مهنة ما، وما دام ذلك هو هدفه فنحن نقيس حركة سلوكه، هل هي حركة تقربه إلى الهدف أن تبعد به عنه؟ فإن كان مجتهدا. فاجتهاده حركة تقرب له الهدف، وإن كان كسولا، خاملا فإنه يبتعد بنفسه عن الهدف. إذن يجب أن نحدد الهدف حتى نعرف هل يكون هذا العمل صالحا. أو غير صالح.وآفة الناس أنهم عندما يحددون أهدافهم يقعون في اعتبار ما ليس بالهدف هدفا وغاية. وما دام هناك من يعتبر غير الهدف هدفا فلا بد من حدوث اضطراب وضلال، فالذي يعتبر أن الحياة هي الهدف، فهو يريد أن يحقق لنفسه أكبر قدر من اللذة فيها. أما الذي يعرف أن الهدف ليس هو الحياة، إنما الحياة مرحلة، نسأله.. ما الهدف إذن، فيقول: إنه لقاء الله والآخرة.هذا المؤمن سيكون عمله من أجل هذا الهدف. لكن الضال الذي يرى الدنيا وحدها هدفه ولا يؤمن بالجنة أو النار، هو غارق في ضلاله ويقبل على ما تشتهيه نفسه، ويبتعد عما يتعبه وإن كانت فيه سعادته.ولكن المؤمن يعرف أن الهدف ليس هو الدنيا، وأن الهدف في مجال آخر، لذلك يسعى في تطبيق التكاليف الإيمانية ليصل إلى الهدف، وهو الجنة. إذن ما يفسد سلوك الناس هو جهلهم بالهدف، وحين يوجد الهدف، فالإنسان يحاول أن يعرف العمل الذي يقربه من الهدف, فيفعله، فهذا هو الخير. أما الذي يبعده عن الهدف ويفعل عكس الموصل إليه فهذا هو الشر.وإذا كان الأمر كذلك والمسألة هي في تحديد الهدف يجب أن تعلم أن الناس يستقبلون الكثير من الأحداث بما يناقض معرفة الهدف، وما دام الهدف هو أن تذهب إلى الآخرة لتلقى الله فلماذا يغرق في الحزن إنسان لأن له حبيبا قد انتقل إلى رحمة الله؟هذا الإنسان يمكننا أن نسأله، لماذا تحزن وقد قصر الله عليه خطواته إلى الهدف؟ لا بد أنك حزين على نفسك لأنك مستوحش له، ولأنك كنت تأنس به، أما حزنك من أجله هو، فلا حزن، لأنه اقترب من الهدف ووصل إليه.وفي حياتنا اليومية عندما يكون هدف جماعة أن تصل إلى الإسكندرية من القاهرة، نجد إنسانا ما يذهب إلى الإسكندرية ما شيا، لأنه لا يجد نقودا أو وسيلة توصله، وتجد آخر يذهب إليها راكبا حمارا، وثالثا يذهب إليها راكبا حصانا، ورابعا يصل إليها راكبا ” أتوبيسا ” ، وخامسا يصل إليها بركوب الطائرة، وسادسا يصل إليها بصاروخ، وكل ما حدث هو أن كل واحد في هذه الجماعة قد اقترب من الهدف بالوسيلة التي توافرت له، وهكذا نجد إنسانا يذهب إلى الله ماشيا في سبعين عاما، وآخر يستدعيه الله فورا، فلماذا تحزن عليه؟إن لنا أن نحزن على الإنسان الذي لم يكن موفقا في خدمة الهدف، أما الموفق في خدمة الهدف فلنا أن نفرح له، ونقول: إن الله قد قصر عليه المسافة، وأغلبنا إن كان عنده ولد حبيب إلى قلبه وصغير ويفقده فهو يغرق في الحزن قائلا ” إنه لم ير الدنيا ” لهذا الإنسان نقول: يا رجل إن الله جعل ابنك يقفز الخطايا ويتجاوزها وأخذه إلى الغاية، فما الذي يحزنك؟ إن علينا أن نحسن استقبال ما يقضي به الله في خلقه، ونعرف أنه حكيم وأنه رحيم وأن كل شيء منه يجب ألا نفهمه خارجا عن الحكمة.وبعد تلك الآيات الكريمة التي تحدث فيها الحق عن مريم وعيسى عليه السلام.. قال الحق سبحانه: { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

–ادغام بغنة:صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 

 

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة آل عمران الاية 50

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 50

وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

ملخص الايات:

إذا كانت الكتب السماوية تأتي مصدقة بعضها بعضا فما فائدة توالي نزول الكتب السماوية؟ والإجابة هي: أن فائدة الكتب السماوية اللاحقة أنها تذكر من سها عن الكتب السابقة، هذا في المرتبة الأولى، وثانيا: تأتي الكتب السماوية بأشياء، وأحكام تناسب التوقيتات الزمنية التي تنزل فيها هذه الكتب. هذه هي فوائد الكتب السماوية التي توالت نزولا من الحق على رسله، إنها تذكر من عقل وتُعَدلّ في بعض الأحكام.

إن لله  عز وجل حكمة فيما يحلل وحكمة فيما يحرم، إنما إياك أن تفهم أن كل شيء يحرمه الله عز وجل يكون ضارا؛ قد يحرم الله عز وجل أشياء لتأديب الخلق، فيأمر بالتحريم

تتحدث الاية عن:

1-وقد قلنا: إن ” مصدقا ” تعني أن ما جاء به سيدنا عيسى بن مريم علية السلام مطابق لما جاء في التوراة. وقلنا: إن ” ما بين يدي ” الإنسان هو الذي سبقه، أي الذي جاء من قبله وصار أمامه. وما دام سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة في زمانه، وكانت التوراة موجودة، فلماذا جاءت رسالته إذن؟لكن القول الحق يتضمن هذا المعنى: إن سيدنا عيسى علية السلام سيأتي بأحكام جديدة، ويتضح ذلك في قوله الحق سبحانه على لسان عبده عيسى ابن مريم: { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } إذن فليس المهم هو التصديق فقط، ذلك أن سيدنا عيسى علية السلام جاء ليحل بعضا من الذي حرمته التوراة.وقد يقول قائل: إذا كانت الكتب السماوية تأتي مصدقة بعضها بعضا فما فائدة توالي نزول الكتب السماوية؟ والإجابة هي: أن فائدة الكتب السماوية اللاحقة أنها تذكر من سها عن الكتب السابقة، هذا في المرتبة الأولى، وثانيا: تأتي الكتب السماوية بأشياء، وأحكام تناسب التوقيتات الزمنية التي تنزل فيها هذه الكتب. هذه هي فوائد الكتب السماوية التي توالت نزولا من الحق على رسله، إنها تذكر من عقل وتُعَدلّ في بعض الأحكام.

2-ومن الطبيعي أننا جميعا نفهم أن العقائد لا تبديل فيها، وكذلك الأخبار والقصص، لكن التبديل يشمل بعضا من الأحكام. ولهذا جاء القول الحق على لسان عبده عيسى ابن مريم: { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } ونحن نعرف أن القوم الذي أرسل الله سيدنا عيسى ابن مريمعلية السلام  لهم هم بنو إسرائيل، والتحريم والتحليل يكون بحكمة من الله عز وجل.إن لله حكمة فيما يحلل وحكمة فيما يحرم، إنما إياك أن تفهم أن كل شيء يحرمه الله يكون ضارا؛ قد يحرم الله أشياء لتأديب الخلق، فيأمر بالتحريم، ولا يصح أن تسأل عن الضرر فيها، وقد يعيش المؤمن دنياه ولم يثبت له ضرر بعض ما حرم الله. فإن تساءل أحد: لماذا حرم الله ذلك؟ تقول له: من الذي قال لك إن الله حين يحرم فهو يحرم الشيء الضار فقط؟ إنه الحق سبحانه يحرم الضار, ويحرم بعضا مما هو غير ضار، ولذلك قال الحق:
{  فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً }
[النساء: 160].
وتفصيل ذلك في آية أخرى:

{  وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } [الأنعام: 146].
إذن التحرير ليس ضروريا أن يكون لما فيه الضرر، ولهذا جاء قول الحق على لسان عبده ورسوله إلى بني إسرائيل عيسى ابن مريم: { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } لقد جاء سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام  ليُحل لهم بأمر من الله ما كان قد حرمه الله عليهم من قبل.

3-وبعد ذلك يقول الحق على لسان عبده ورسوله عيسى ابن مريم: { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } ومجموعة هذه الأوامر التي تقدمت هي آية أي شيء عجيب، بلغت القوم الذين أرسل الله سيدنا عيسى علية السلام إليهم، إنه كرسول وكبشر لا يستطيع أن يجيء بالآية المعجزة بمفرده بل لا بد أن يكون مبعوثا من الله. فيجب أن يلتفتوا إلى أن الله الذي أرسله، وله طلاقة القدرة في خرق النواميس هو سبحانه الذي أجرى على يدي سيدنا عيسى علية السلام هذه الأمور، ويأمرهم سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام بتقوى الله نتيجة لذلك، ويدعو القوم لطاعته في تطبيق منهج الله.وبعد ذلك يقول الحق على لسان عيسى ابن مريم: { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

–ادغام بغنة:بِآيَةٍ مِنْ 

-ادغام كامل:وَمُصَدِّقًا لِمَا-مِنْ رَبِّكُمْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

 

تفسير سورة آل عمران الاية 49

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 49

وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

ملخص الايات:

فرق بين صنعة البشر حين يخلق، وبين صنعة الله عز وجل حين يخلق. إن صنعة البشر حين تخلق، إنما تخلق من موجود، وحين يخلق الله فهو يخلق من معدوم

إن كانت الفتنة فى سيدنا عيسى علية السلام من ناحية الإحياء لكان ما صنعه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أولى بها حينما قطَّع الطير وجعل على كل جبل جزءا منهن ثم دعاهن، وإن كانت الفتنة من ناحية أنه جاء إلى الدنيا بدون أب لكانت الفتنة أكثر في خلق سيدنا آدم علية السلام ، لأن الله خلقه بلا أب أو أم

قال البعض: ” إن معجزة سيدنا عيسى علية السلام كانت مجرد سبق زمني “. لهؤلاء نقول: لا، لنأخذ كل أمر بأدواته.إن سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام كان يبرئ بالكلمة والدعوة ومهما تقدم العلم فلن يستطيع العلم أن يبرئ المرض بالكلمة والدعوة، إنما سيأخذون أشياء ويقومون بتحليل تلك الأشياء، وخلط الكيماويات وإجراء الجراحات، لذلك تظل المعجزة التي جاء بها عيسى ابن مريم عليه السلام معجزة؛ لأنه كان يبرئ بالكلمة والدعوة

تتحدث الاية عن:

1-إن كلمة رسول تحتاج إلى علامة، فليس لأي أحد أن يقول: ” أنا رسول من عند الله ” بل لا بد أن يقدم بين يدي دعواه معجزة تثبت أنه رسول من الله. والأية كما نعرف هي الأمر العجيب الذي خرج عن القوانين والنواميس لتثبت صدق الرسول في البلاغ، وما دامت المعجزة خارجة عن نواميس البشر، فالمخالف نقول له: أنت حين تكذب أن حامل المعجزة رسول، فكيف تعلل أنه جاء بمعجزة خرجت عن الناموس؟ إذن فالمعجزة تلزم المنكر الذي يتحدى وتفحمه، لأنه لا يستطيع أن يأتي بمثلها، ولذلك قلنا: إن من لزوم التحدي ألا يتحدى الله حين يعطي رسولا معجزة إلا بشيء نبغ فيه القوم المبعوث إليهم ذلك الرسول؛ لأن الحق لو جاء لهم بشيء لم يدرسوه ولم يعرفوه، فالرد منهم يكون للرسول بقولهم: إن هذا أمر لم نروّض أنفسنا ولم ندربها عليه، ولو روّضنا أنفسنا عليه لا ستطعنا أن نفعل مثله، وأنت قد جئت لنا بشيء لم نعود أنفسنا عليه، لذلك يرسل الحق الرسول – أي رسول – بمعجزة من جنس ما ينبغ فيه القوم المرسل إليهم.. مثال ذلك، سيدنا موسى عليه السلام، أرسله الله عز وجل إلى قوم كانوا نابغين في السحر، فكانت معجزته تقرب من السحر.وإياك أن تقول إن معجزة سيدنا موسى علية السلام كانت سحرا؛ لأن سيدنا موسى عليه السلام لم ينزل بسحر ولكن بمعجزة. كانوا هم يخيلون للناس أشياء ليست واقعا لذلك تجد القرآن يعطيك الفارق بين ما يكون عليه ما يأتي به الله على يد رسول من الرسل من معجزة وسحر القوم، فيقول القرآن:
{  وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ * قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [طه: 17-20].
كأن الحق يقول لسيدنا موسى عليه السلام: إن حدود علمك بما في يدك أنها عصا تتوكأ عليها وتهش بها على غنمك، أما علمي أنا فهو علم آخر. لذلك يأمره أن يلقى العصا، فلما ألقاها وجدها حية تسعى، فأوجس في نفسه خيفة.. إن ” أوجس في نفسه خيفة ” هي التي فرقت بين سحر القوم ومعجزة سيدنا موسى عليه السلام “.لماذا؟ لأن الساحر يلقى العصا فيراها الناس حية وهو يراها عصا لأنّ الساحر لو رآها حية لخاف مثل الناس، لقد خاف سيدنا موسى عليه السلام لأنها تغيرت وصارت حية فعلا، ولذلك قال له الله:

{  قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأُولَىٰ } [طه: 21].
فلو كانت من جنس السحر لما أوجس في نفسه خيفة لأنه سوف يراها عصا وإن رآها غيره حية، وهذا هو الفارق.وقوم سيدنا عيسى علية السلام أيضا كانوا مشهورين بالحكمة والطب، إذن فستجيء الآيات من جنس الحكمة والطب، ثم تتسامى المعجزة، لأن الذي يطبب جسما ويداويه لا يستطيع أن يعيد الميت إلى الحياة، لأن الإنسان إذا ما مات فقد خرج الميت عن دائرة علاج الطبيب. ولذلك رقّى الله آية سيدنا عيسى علية السلام ، إنه يشفي المرضى،ويحيى الموتى أيضا، وهذا ترق في الإعجاز.

2-قال سيدنا عيسى علية السلام: { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ }. إن كلمة ” أخلق ” تحتاج إلى وقفة وكذلك ” الطين ” و ” الهيئة ” و ” الطير “.
” أخلق ” مأخوذة من الخلق، والخلق هو إيجاد شيء على تقدير، فأنت تتخيله وتقدره في ذهنك أولا ثم تأتي به على هذه الحالة. فإن كان قد أتى على غير تقديرك فليس خلقا، إنما هو شيء جزافى جاء على غير علم وتقدير، وإنّ من يأخذ قطعة من الطين ويصنع منها أي شيء فهذا ليس خلقا. إن الخلق هو المطلوب على تقدير. مثال ذلك الكوب أو الكأس البلور الذي نشرب فيه حينما صنعه الصانع. هل كانت هناك شجرة تخرج أكوابا، أم أن الصانع أخذ الرمال وصهرها ووضع عليها مواد كيماوية تخليها من الشوائب، ثم قام بتشكيلها على هيئة الكوب؟إذن فالكوب لم تكن موجودة، ووجدت على تقدير أن تكون شكل الكوب، فهي خلق أُوجد على تقدير. فماذا عن خلق الله؟ إنه يخلق على تقدير، وفرق بين صنعة البشر حين يخلق، وبين صنعة الله حين يخلق. إن صنعة البشر حين تخلق، إنما تخلق من موجود، وحين يخلق الله فهو يخلق من معدوم، وهذا هو أول فرق، إنه سبحانه يخلق من عدم، أما الإنسان فيضع الأشياء بنظام يحدث فيها تفاعلات أرادها الله فتوجد، فلا يوجد من يستطيع – على سبيل المثال – من يصنع كوبا من غير المادة التي خلقها الله.إن هذا أول فرق بين خلق الله، وخلق الإنسان، فخلق الله يكون من عدم، وخلق الإنسان من موجود، وإن كان الإثنان على تقدير. وأيضا يعطي الله لخلقه سرا لا يستطيع البشر إعطاءه لصنعته، فالله يعطيه سر الحياة, والحياة فيها نمو، وفيها تكاثر، لكن البشر يصنعون الكوب مثلا، فتظل كوبا، ولا يوجد تكاثر بين كوب ذكر وكوب أنثى.إن الإنسان يوجد صنعته فتظل على حالتها، ولا يستطيع أن يصنعها صغيرة ثم تكبر، لكن صنعة الله هي صنعة القادر الذي يهب الحياة، فتكبر مخلوقاته وتتطور وتمر بمراحل، وتعطي مثلها. إذن، فالخلق إيجاد على تقدير، هذا الإيجاد يوجد معدوما، والمعدوم موجودة مادته، هذا في خلق الإنسان، أما في خلق الله، فالله يخلق من معدوم لا توجد له مادة.والله يخلق من الشيء ذكرا وأنثى ويعطيهما القدرة على التناسل، فها هو ذا قول الحق سبحانه:

{  وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 12-14].
ولم يمنع الحق خَلْقَه أن يخلقوا أشياء، ولكن خلق الله أحسن، لماذا؟ لأنه يخلق من عدم، والبشر يخلقون من موجود. وهو الحق يخلق ويوجد في مخلوقاته حياة وتكاثرا، والبشر يخلقون بلا نمو ولا حياة، إنه الحق أحسن الخالقين، إذن قول سيدنا عيسى عليه السلام: { أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ” ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.يعني أن كل إنسان يستطيع أن يصنع تمثالا كهيئة الطير. لكن الله أوجد معجزة سيدنا عيسى علية السلام وجعله يخلق من الطين كهيئة الطير، وينفخ فيه، وقد تسأل، في ماذا ينفخ؟ أينفخ في الطير، أم في الطين، أم في الهيئة؟ إن قلنا: أن النفخ في الطين بعد ما صار طيرا. يكون النفخ في الطين، كالنفخ في الطير، وجاءت في آية أخرى أنها نفخ في الهيئة.

{  إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي } [المائدة: 110].
إن ” النفخ فيه ” ، تكون للطين أو الطير. و ” النفخ فيها ” تكون للهيئة وهنا في هذه الآية، نجد أن الإعجاز ليس في أن سيدنا عيسى علية السلام  صنع من الطين كهيئة الطير، لأن أي إنسان يستطيع أن يفعل ذلك، فكأنه حينما قال: { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.
كأنه صار طيرا من النفخة، أما عن أمر صناعة طير من الطين فأي إنسان يمكن أن يفعلها، لكن عيسى عليه السلام يفعل ذلك بإذن الله، ولا بد أن يجيء الأمر مختلفا، و ” بإذن الله ” هنا تضم صناعة الطير، والنفخ فيه.

3-إن سيدنا عيسى علية السلام لم يكن ليجترئ ويصنع ذلك كله إلا بإذن الله، وجاءت كلمة ” بإذن الله ” من سيدنا عيسى علية السلام  وعلى لسانه كاعتراف منه بأن ذلك ليس من صناعته، وكأنه يقول لقومه: إن كنتم فتنتم بهذه.فكان يجب أن تفتنوا بسيدنا إبراهيم علية الصلاة والسلام  من باب أولى، حينما قطَّع الطير وجعل على كل جبل جزءا منهن ثم دعاهن.
{  وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 260].
إذن كان من الأولى الفتنة بما أعطاه الله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام من معجزة، فإن كانت الفتنة من ناحية الإحياء لكان ما صنعه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أولى بها، وإن كانت الفتنة من ناحية أنه جاء إلى الدنيا بدون أب لكانت الفتنة أكثر في خلق سيدنا آدم علية السلام ، لأن الله خلقه بلا أب أو أم. إذن فالفتنة لا أصل لها, ولا منطق يبررها..

4-ويتابع الحق سبحانه على لسان سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.لماذا تعرض سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام  لهذين المرضين؟ لأنها كانت الأمراض المستعصية في ذلك العصر، والأكمه هو الذي ولد أعمى, أي لم يحدث له العمى من بعد ميلاده. والبرص، هو ابيضاض بقعة في الجلد وإن كان صاحبها آدم أو أسود. وبعد ذلك تنتشر بقع متناثرة في كافة الجسم بلون أبيض، مما يدل على أن لون الجلد له كيماويات في الجسم تغذى هذا اللون، فإن مُنعت الكيماويات في الجسم صار أبرص.وتبين صدق هذا في أن العلم المعاصر قد عرف أن الملونات للجلد هي غدد خاصة توجد في الجسم، واسمها الغدد الملونة، فإن امتنعت الغدد الملونة من إعطاء الألوان، جاء البرص والعياذ بالله. وهو مرض صعب، لم يكن باستطاعتهم أن يداووه، فعندما جاء سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام أعطاه الله عز وجل  الآية من جنس ما نبغوا فيه وهو الطب. وجاء لهم بآية هي إبراء ما كانوا عاجزين عنه.وبعض القوم الذين يحاولون أن يقربوا بين المعجزة وعقول الناس. يقولون: إن هذه المعجزة إنما هي سبق زمني، بمعنى أنه من الممكن أن يتوصل الإنسان إلى أن يكتشف علاجا لهذه الأمراض، لكن لهؤلاء نقول: لا، إن المعجزة تظل معجزة إلى أن تقوم الساعة. كيف؟لنأخذ مثالا من طب العيون، وعندما قالوا إن هناك علاجاً للعمى. ” سنقوم بتركيب قرنية ” أو أن نأخذ مثالا من طب الجلد لو قالوا: ” سنداوي البرص ” واكتشفوا ألوانا مختلفة من العلاج تحاول أن تجعل الجلد على لون واحد، لكنه لا يستعيد لونه الأصلي. ولذلك قال البعض: ” إن معجزة سيدنا عيسى علية السلام كانت مجرد سبق زمني “. لهؤلاء نقول: لا، لنأخذ كل أمر بأدواته.إن سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام كان يبرئ بالكلمة والدعوة ومهما تقدم العلم فلن يستطيع العلم أن يبرئ المرض بالكلمة والدعوة، إنما سيأخذون أشياء ويقومون بتحليل تلك الأشياء، وخلط الكيماويات وإجراء الجراحات، لذلك تظل المعجزة التي جاء بها عيسى ابن مريم عليه السلام معجزة؛ لأنه كان يبرئ بالكلمة والدعوة.

5-ويضيف الحق على لسان سيدما عيسى ابن مريم علية السلام : { وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ }. ومسألة إحياء الموتى لم يأخذها سيدنا عيسى علية السلام هكذا على إطلاقها فيحيي كل ميت، إنما قام بها وفي وحدات تثبت صدق الآية ولا تعمم مدلول المعجزة كسام بن نوح مثلا، و ” عازر ” إنها أشياء لمجرد إثبات المعجزة، ولكنها ليست مطلقة، ذلك أنه نبي ورسول من الله فلا يمكن أن يصادم قدر الله في الآجال. ولذلك قالوا إنه عندما أحيا سام بن نوح، أحياه حتى نطق بكلمة، ثم عاد سام إلى الموت من بعد ذلك

6-ويضيف الحق على لسان سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام:

{ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } [آل عمران: 49].

لماذا؟ لأن كل إنسان يعلم جزئية من أحداثه الحياتية الخاصة، يكون هذا العلم خاصا به، وكل إنسان -مثلا – يأكل طعامه بألوان مختلفة يعرفها هو، ولا يعرفها الآخرون. إن الأمر الأول كخلق الطير، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، هي أمور عامة للكل. أما الإنباء بألوان الطعام التي يأكلها كل إنسان فهي خاصية أحداث، لأن كل واحد يأكل أكلا معينا فيقول له سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام  ماذا أكل. وليس من المعقول أن يكون سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام قد دخل كل بيت أو جاءت له أخبار عن كل بيت.وكذلك أمر الادخار. وذلك حتى تنتفي شبهة أنه كان يشم رائحة الإنسان فيعرف لون الطعام الذي يأكله، لذلك كان الإخبار بما يدخر كل واحد في بيته، فهذه مسألة توضح بالجلاء التام أنها آية من إخبار من يعلم مغيبات الأمور.

7-{ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 49].
إن هذه آية عجيبة تثبت أن هناك قوة أعلى قاهرة هي قوة الله الحق هي التي تعطيه هذه الأشياء، فإن كنتم مؤمنين بوجود قوة أعلى فعليكم تصديق الرسالة التي جاء بها سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام ، لأن معنى (رسول) أنه مخلوق اصطفاه الله وأرسله سبحانه إلى الأدنى منه، فالذي يؤمن الآية هو الذي يؤمن بوجود إله أعلى قادر ومن يريد أن يتثب – مع إيمانه بالله – من الآية التي بعثها الله مع سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام، فالآية واضحة. بالله فلن تفيده الآية في الإيمان. ويقول الحق متابعا على لسان عيسى ابن مريم: { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

اظهار:وَرَسُولًا إِلَىٰ

–ادغام بغنة:بِآيَةٍ مِنْ

-ادغام كامل:مِنْ رَبِّكُمْ-لَآيَةً لَكُمْ

اقلاب:طَيْرًا بِإِذْنِ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة آل عمران الاية 48

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 48

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

ملخص الايات:

أُثِرَ عن سيدنا عيسى عليه السلام أن تسعة أعشار جمال الخط كان في يده. وبذلك يمكن أن نفهم { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ } أي القدرة على الكتابة

تتحدث الاية عن:

1-وساعة نسمع { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ } فنحن نفهم أن المقصود بها الكتاب المنزل، ولكن ما دام الحق قد أتبع ذلك بقوله: { ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } فلا بد لنا أن نسأل. إذن ما المقصود بالكتاب؟ هل كان المقصود بذلك الكتاب الكتب المتقدمة، كالزبور، والصحف الأولى، كصحف سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟ إن ذلك قد يكون صحيحا، ومعنى { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَاب } أن الحق قد علمه ما نزل قبله من زبور سيدنا داود علية السلام ، ومن صحف سيدنا إبراهيم علية الصلاة والسلام ، وبعد ذلك توراة سيدنا موسى علية السلام الذي جاء سيدنا عيسى علية السلام مكملا لها.

2-وبعض العلماء قد قال: أُثِرَ عن سيدنا عيسى عليه السلام أن تسعة أعشار جمال الخط كان في يده. وبذلك يمكن أن نفهم { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ } أي القدرة على الكتابة. وما المقصود بقوله: إن عيسى عليه السلام تلقى عن الله عز وجل  بالإضافة إلى { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ } أنه تعلم أيضا { ٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } وكلمة الحكمة عادة تأتي بعد كتاب منزل، مثال ذلك قوله الحق:
{  وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } [الأحزاب: 34].
كتاب الله المقصود هنا هو القرآن الكريم، والحكمة هي كلام الرسول عليه الصلاة والسلام. فالرسول له كلام يتلقاه ويبلغه، ويعطيه الحق أيضا أن يقول الحكمة، أما التوراة التي علمها الله لسيدنا عيسى عليه السلام فقد علمها له الله، لأننا كما نعلم أن مهمة سيدنا عيسى عليه السلام جاءت لتكمل التوراة، ويكمل ما أنقصه اليهود من التوراة، فالتوراة أصل من أصول التشريع لعصره والمجتمع المبعوث إليه فهو بالنص القرآني: { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة آل عمران الاية 47

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 47

قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

ملخص الايات:

–{كذلك اللّه يخلق ما يشاء} أي هكذا أمرُ اللّه عظيم، لا يعجزه شيء فى الارض ولا السماء

تتحدث الاية عن:

1-نريد أن نقف وقفة ذهنية تدبرية عند قولها: { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } فلو أنها سكتت عند قولها: { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ } لكان أمرا معقولا في تساؤلها، ولكن إضافتها { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } تثير سؤالا، من أين أتت بهذا القول { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ }؟ هل قال لها أحد: إنك ستلدين ولدا من غير أب؟ إن الملائكة لم تخبرها بذلك، لذلك انصرف ذهنها إلى مسألة المس. إنها فطرة وفطنة المهيأة والمعدة للتلقي عن الله، عندما قال لها: ” المسيح عيسى ابن مريم “.قالت لنفسها: إن نسبته بأمر الله هي لي، فلا أب له، لقد قال الحق: إنه ” ابن مريم ” ولذلك جاء قولها: { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } ذلك أنه لا يمكن أن ينسب الطفل للأم مع وجود الأب. هكذا نرى فطنة التلقي عن الله عز وجل في مريم البتول. لقد مر بها خوف عندما عرفت أن سيدنا عيسى علية السلام منسوب إليها وقالت لنفسها، إن الحمل بعيسى لن يكون بوساطة أب، وكيف يكون الحمل دون أن يمسسني بشر. وقال الخالق الأكرم: { كَذَلِكَ } أي لن يمسك بشر، ولم يقل لها: لقد نسبناه لك لأنك منذورة لخدمة البيت، ولكن الحق قال: { كَذَلِكَ } تأكيدا لما فهمته عن إنجاب سيدنا عيسى علية السلام دون أن يمسسها بشر.

2-وتتجلى طلاقة القدرة في قوله سبحانه: { ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ }.إنها طلاقة القدرة، وطلاقة القدرة في الإنسال أو الإنجاب أو في عدم التكثير بالنسبة للإنسان, وطلاقة القدرة لا تتوقف على إيجاد ذكورة وأنوثة، ولو كانت طلاقة القدرة في الخلق لا تتوقف على إيجاد ذكورة وأنوثة، إنه الحق الأعلى القادر على أن يخلق دون ذكورة أو أنوثة، كخلقه لسيدنا أدم عليه السلام، ويخلق الحق سبحانه بواحد منهما، كخلقه سبحانه لحواء وخلق سيدنا عيسى عليه السلام، ويخلق الخالق الأعلى الذكورة والأنوثة يمكن أن يُحقق الخلق، فقد توجد الذكورة والأنوثة ولا يوجد إنجاب، ها هو ذا القول الحق:
{  لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [الشورى: 49-50].
هذه هي إرادة الحق، إذن فلا تقل: إن اكتمال عنصري الذكورة والأنوثة هو الذي يحدث الخلق، لأن الخلق يحدث بإرادة الحق, { كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }. فأنتم أيها المحدثون تفعلون بالأسباب. لكن الذي خلقكم وخلق الأسباب لكم هو الذي بيده أن يوجد بلا أسباب، لأنه أنشأ العالم أول ما أنشأ بدون أسباب.ويقول الحق سبحانه عن عيسى عليه السلام: { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

ادغام بغنة:وَلَدٌ وَلَمْ 

مد متصل:يَشَاءُ ۚ

اخفاء:أَمْرًا فَإِنَّمَا 

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة آل عمران الاية 46

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 46

وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ

أحاديث تخص الاية:

قال ابن أبي حاتم: عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال (لَم يتكلَّمْ في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجلٌ يُقال له: جُرَيْج كان يصلي، جاءته أُمُّه فدعتْه، فقال: أُجيبها أو أصلِّي؟ فقالتْ: اللهم لا تُمِتْه حتى تُرِيَه وجوه المومسات، وكان جريج في صَوْمعته، فتعرَّضتْ له امرأة وكلَّمتْه، فأبى فأتتْ راعيًا فأمكنتْه من نفسها، فولدتْ غلامًا، فقالتْ: مِن جُرَيْج، فأتوه فكَسروا صومعته، وأنزلوه وسبُّوه، فتوضَّأ وصلَّى، ثُمَّ أتى الغلام، فقال: مَن أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذَهَبٍ، قال: لا، إلا من طين، وكانتِ امرأة ترضِع ابنًا لها من بني إسرائيل، فمرَّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شارة، فقالتْ: اللهم اجعل ابني مثلَه، فترك ثَدْيها وأقبلَ على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلْني مثلَه، ثم أقبل على ثَدْيها يَمصُّه – قال أبو هريرة: كأنِّي أنظرُ إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يمصُّ إصبعَه – ثم مرَّ بأَمَةٍ، فقالتْ: اللهم لا تجعلِ ابني مثلَ هذه، فتَرَك ثَدْيها، فقال: اللهم اجعلْني مثلَها، فقالتْ: لِمَ ذاك؟ فقال: الراكب جَبَّارٌ من الجبابرة، وهذه الأَمَة يقولون: سَرَقْتِ زَنَيْتِ، ولَم تَفعلْ))؛ أخرجه البخاري

ملخص الايات:

–ولقد أورد الحق { ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } رمزية لشئ، وهي أن سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام من الأغيار، يطرأ عليه مرة أن يكون في المهد، ويطرأ عليه مرة أخرى أن يكون كهلا، وما دام في عالم الأغيار فلا يصح أن يفتتن به أحد ليقول إنه ” إله ” أو ” ابن إله “.

أول كلمة نطقها سيدنا عيسى علية السلام  إني عبد الله

تتحدث الاية عن:

1-الكلام: معناه اللفظ الذي ينقل فكر الناطق إلى السامع، وقول الحق: { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ } ، معناه أن المواجه لسيدنا عيسى عليه السلام في المهد هم الناس و ” المهد ” هو ما أعد كفراش للوليد. ولقد أورد الحق { ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } رمزية لشئ، وهي أن سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام من الأغيار، يطرأ عليه مرة أن يكون في المهد، ويطرأ عليه مرة أخرى أن يكون كهلا، وما دام في عالم الأغيار فلا يصح أن يفتتن به أحد ليقول إنه ” إله ” أو ” ابن إله “.

2-ونفهم أيضا من { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ } سر وجود آية المعجزة التي وهبها له الله وهو طفل في المهد. لأن المسألة تعلقت بعِرض أمه وكرامتها وعفتها، فكان من الواجب أن تأتي آية لتمحو عجبا من الناس حين يرونها تلد بدون أب لهذا الوليد أو زواج لها. وهذه المسألة لم نجد لها وجودا. مع أنها مسألة كان يجب أن تقال لأنهم يمجدون نبيهم، وكان من الواجب ألا يغفلوا عن هذه العجيبة، إن كلام طفل في المهد لما كان أمرا عجيبا كان لا بد أنّه سيكون محل حفظ وتداول بين الناس، ولن يكتفي الناس برواية واقعة كلامه في المهد فقط، بل سيحفظون ما قاله، ويرددون قوله.

3-والكلمة التي قالها عيسى عليه السلام في المهد لا تسعف من يصف عيسى عليه السلام بوصف يناقض بشريته؛ لأن الكلمة التي نطق بها أول ما نطق: إني عبد الله، فأخفوا هم هذه المسألة كلها لأن هذه الكلمة تنقض القضية التي يريدون أن يضعوا فيها سيدنا عيسى عليه السلام،

4-إن الحق يقول: { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً }.ونعرف أن الكلام في المهد أي وهو طفل و ” كهلا ” أي بعد الثلاثين من العمر, أي في العقد الرابع. والبعض قد قال: إن الكهولة.. بعد الأربعين من العمر. وهو قد حدثت له في روايتهم حكاية الصلب قبل أن يكون كهلا، فإذا كان قد تكلم في المهد فيبقى أن يتكلم وهو كهل، وقالوا إن حادثة الصلب أو عدم الصلب، أو الاختفاء عن حس البشر قد حدثت قبل أن يكون كهلا، إذن فلا بد أن يأتي وقت يتكلم فيه سيدنا عيسى بن مريم علية السلام  عندما يصير كهلا، وأيضاً قوله الحق: { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي انه تكلم في المهد طفلاً ويتكلم كهلا أي ناضج التكوين، وبذلك نعرف أن سيدنا عيسى بن مريم علية السلام  فيه أغيار وفيه أحوال، فإذا كنتم تقولون إنه إله فهل الألوهية في المهد هي الألوهية في الكهولة؟إن كانت الألوهية في المهد فقط فهي ناقصة لأنه لم يستمر في المهد، وحدثت له أغيار، وما دام قد حدثت له أغيار فهو محدث، وما دام محدثا فلا يكون إلها،

5-وبعد ذلك يقول الحق عن عيسى ابن مريم: { وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } ما حكايتها؟إن العجيبة التي قال عنها الله: إنه يكلم الناس في المهد لم تكن باختياره، وكلامه وهو كهل سيكون بالوحي، أي ليس له اختيار فيه أيضا، { وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } مقصود بها عمله، أي الحركة السلوكية.لماذا؟ لأنه لا يكفي أن يكون مبلغا، ولا يكفي أن يكون حامل آية، بل لا بد أن يؤدي السلوك الإيماني.ويقول الحق على لسان مريم البتول: { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

ادغام بغنة:وَكَهْلًا وَمِنَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

 

تفسير سورة آل عمران الاية 45

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 45

إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ

ملخص الايات:

ما معنى المسيح؟ قد يكون المسموح من الذنوب، أو أن تكون من آياته أن يمسح على المريض فيبرأ، أو المسيح المبارك.. أما عيسى. فهذا هو الاسم، والمسيح هو اللقب، وابن مريم هي الكنية

الوجيه هو الذي لا يرده مسئول للكرامة في وجهه -أي أن أحدا لا يرده إن سأله. لكرم وجهه، فالإنسان يخجل أن يرد صاحب مثل هذه الكرامة، لذلك نجد أن السائل قد يقول: أعطني لوجه الله. أي أنه يقول لك: لا تنظر إلى وجهي، ولكن انظر إلى وجه الله؛

تتحدث الاية عن:

1-لقد كانت المرحلة الأولى بالنسبة لإعداد مريم هي قوله الحق على لسانها: { إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }. وبذاك تعرفت على طلاقة قدرة الله عز وجل، والمرحلة الثانية هي سماعها لحكاية سيدنا زكريا وسيدنا يحيى عليهما السلام وتأكيد الحق لها أنه اصطفاها على نساء العالمين، وفي ذلك أمر يتعلق بالنساء، وكان ذلك إيناساً من الحق لها، وتدخل مريم إلى مرحلة جديدة.
{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ } [آل عمران: 45].
والبشارة لا تكون إلا بخبر عظيم مفرح، وقد يتساءل البعض؟ ماذا يقصد الحق بقوله: { بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ }؟ والإجابة هي: أن الحق سبحانه وتعالى يزاول سلطانه في ملكه بالكلمة، لا بالعلاج، فالحق سبحانه علمنا ذلك بقوله:

{  ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [آل عمران: 47].
وهذا القول هو مجرد إيضاح لنا وتقريب لأنه لا يوجد عندنا أقصر في الأمر من كلمة ” كن ” إن قدرته قادرة بطلاقتها أن تسبق نطقنا بالكاف وهي الحرف الأول من ” كن ” ، ولكن الحق يوضح لنا بأقصر أمر على طريقة البشر، إن الحق سبحانه وتعالى إذا أراد أمرا فإنه يقول له كن فيكون، وذلك إيضاح أن مجرد الإرادة الإلهية لأمر ما تجعله ينشأ على الفور، و ” كن ” هي مجرد إظهار الأمر للخلق، هكذا نفهم معنى بشارة الحق لمريم بـ { بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ }

2-ويقول الحق: { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ }. إنها ثلاثة أسماء، ” المسيح ” ، ” عيسى ” ، ” ابن مريم “.
ما معنى المسيح؟ قد يكون المسموح من الذنوب، أو أن تكون من آياته أن يمسح على المريض فيبرأ، أو المسيح المبارك.. أما عيسى. فهذا هو الاسم، والمسيح هو اللقب، وابن مريم هي الكنية.. ونحن نعرف أن العََلمَ في اللغة العربية يأتي على ثلاثة أنواع: اسم أو لقب أو كنية. وابن مالك يقول: ” واسما أتى وكنية ولقبا ” إن العَلَم على الشخص له ثلاث حالات. إما اسم وهو ما يطلق على المسمى أولا. والاسم الثاني الذي أطلقناه عليه. إن كان يشعر برفعة صاحبه أو بضِعَته نسميه لقبا. أما ما كان فيه أب أو أم فيقال له: ” كنية ” وجاءت الثلاثة في عيسى { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ }.” المسيح ” هو اللقب، ” عيسى ” هو الاسم ” و ” ابن مريم ” وهو الكنية. ومجيء عيسى باللقب والاسم والكنية ستكون لها حكمة تظهر لنا من بعد ذلك.

3-ويقول عنه الحق: { وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ }.ونحن في حياتنا نستعمل كلمة فلان وجيه من وجهاء القوم، والوجيه هو الذي لا يرده مسئول للكرامة في وجهه، ونحن نسمع في حياتنا اليومية.فلان لا يصح أن نسبب له الخجل برفض أي طلب له. وكما يقول العامة: (هو الوجه ده حد يكسفه) إذن فالوجيه هو الذي يأخذ سمة وتميزا بحيث يستحي الناس أن يردوه إذا كان طالبا، وهناك إنسان آخر قد يسألك أو يسأل الناس، فلا يبالي به أحد، إنه يريق ماء وجهه وتنتهي المسألة.إذن فقوله الحق في وصف عيسى بن مريم: { وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي أن أحدا لا يرده إن سأله. لكرم وجهه، فالإنسان يخجل أن يرد صاحب مثل هذه الكرامة، لذلك نجد أن السائل قد يقول: أعطني لوجه الله. أي أنه يقول لك: لا تنظر إلى وجهي، ولكن انظر إلى وجه الله؛ لأن الله هو الذي جاء بي إلى الدنيا وخلقني، وما دام قد جاء بي الخالق إلى الدنيا فهو المتكفل برزقي، فأنت حينما تعين على رزق من استدعاه الله إلى الوجود تكون قد أعطيت لوجه الله، إنه الخالق الذي يرزق كل مخلوق له حتى الكافر.إذن فعطاء الإنسان للسائل ليس عطاء لوجه السائل، ولكنه عطاء لوجه الله.

4-والحق يقول عن سيدنا عيسى بن مريم علية السلام: { وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } وعرفنا كيف يكون الإنسان وجيها في الدنيا، فلماذا نص الحق على وجاهة عيسى في الآخرة؟ وخصوصا أن كل وجوه المؤمنين ستكون ناضرة، لقد نص الحق على وجاهة عيسى في الآخرة لأنه سوف يُسأل سؤالا يتعلق بالقمة الإيمانية:
{  وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [المائدة: 116].
إياك أن تظن أن هذا السؤال هو تقريع من الله لعيسى بن مريم. لا إن الحق يريد أن يقرّع من قالوا هذا الكلام. ولذلك يقول عنه الحق:

{  وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } [مريم: 33].
لأن ميلاده كان له ضجة، وبعض بني إسرائيل اتهموا والعياذ بالله أمه السيدة مريم البتول، و ” يوم الممات ” ، كلنا نعرف حكاية الصلب وكان لها ضجة. إنه لم يصلب ولكن صلب من خانه ووشي به فألقى الله شبه عيسى عليه فقتلوه. ويوم البعث حيا يوم يسأله الله:

{  أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [المائدة: 116].
إنه سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام الذي أنعم الله عليه بالسلام في هذه المواقف الثلاثة.

5-ويتابع الحق فيصف سيدنا عيسى ابن مريم علية السلام بقوله: { وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } إن كلمة ” من المقربين ” تدل على تعالى الحق في عظمته، فحين يفتن بعض البشر في واحد منهم قد يغضب بعضهم من الشخص الذي فتن الآخرون فيه مع أنه ليس له ذنب في ذلك.والحق سبحانه يعلمنا أن للمغالي جزاءه ولكن المغالَى فيه تنجيه رحمة الغفار.إن الحق يعلمنا أن فتنة بعض الناس بسيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام لا تؤثر في مكانة سيدنا عيسى عليه السلام عند الحق، إنه مقرب من الله عز وجل، ولا تؤثر فتنة الآخرين في مكانته عند الله، ويقول الحق: { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

-مد متصل:الْمَلَائِكَةُ

ادغام بغنة:بِكَلِمَةٍ مِنْهُ 

اخفاء:وَجِيهًا فِي

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة آل عمران الاية 44

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 44

ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ

ملخص الايات:

إن الوحي، هو إعلام بخفاء؛ لأن الإعلام العادي هو أن يقول إنسان لإنسان خبراً ما، أو يقرأ الإنسان الخبر، أما الإعلام بخفاء فاسمه ” وحي “. والوحي يقتضي ” موحي ” وهو الله، ” وموحى إليه ” وهو الرسول الله صلى الله عليه وسلم، و ” موحى به ” وهو القرآن الكريم

تتحدث الاية عن:

1-وقد قلنا من قبل: إن كلمة ” نبأ ” ، لا تأتي إلاّ في الخبر العظيم. والغيب هو ما غاب عن الحس. وهناك ” غياب عن الحس ” من الممكن أن يدركه مثلك. وهناك غياب عن الحس لا يدركه مثلك. وقلنا من قبل: إن حجب الغيب ثلاثة: مرة يكون الحجاب في الزمن ماضيا، ومرة مستقبلا، ومرة ثالثة يكون الحجاب في المكان. لماذا؟ لأن ظروف الأحداث زمان ومكان. فإذا أنبأني منبئ بخبر مضى زمنه فهذا اختراق للحجاب الزمن الماضي، فالحدث يكون قد وقع من سنوات وصار ماضيا, وإذا أخبرني به الآن فهذا يعني أنه اخترق حجاب الزمن الماضي، وإذا قال لي عن أمر سيحدث بعد سنتين من الآن فهذا اختراق حجاب الزمن المستقبل، وهب أنه أخبرك بنبأ معاصر لزمنك الآن نقول: هنا يوجد حجاب المكان، فعندما أكون معكم الآن لا أعرف ما الحادث في مدينة أخرى غير التي نحن بها، ورغم أن الزمن واحد.لذلك فعلينا أن نعرف، أنه مرة يكون الحجاب زمان.. أي قد يكون الزمن ماضيا، أو يكون الزمن مستقبلا، وقد يكون حجاب مكان. فإذا كان الله عز وجل ينبئ رسوله صلى الله علية وسلم بهذا النبأ, فوسائل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث؛ لأن وسيلة العلم بالنبأ أحد ثلاثة أمور: مشاهدة؛ أو سماع؛ أو قراءة والوسيلة الأولى وهي مشاهدة النبأ يشترط أن يوجد في زمن هذا النبأ، والنبأ الذي أخبر الله به رسوله صلى الله علية وسلم حدث من قبل بعث الرسول صلى الله علية وسلم بما لا يقل عن ستة قرون. إذن فالمشاهدة كوسيلة علم بهذا النبأ لا تصلح، لأن النبأ قد حدث في الماضي. قد يقول قائل: لعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرأها، أو سمعها وبإقرار خصوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليس بقارئ، فامتنعت هذه الوسيلة أيضا، وبإقرار خصومة صلى الله عليه وسلم أنه لم يجلس إلى معلم فلم يستمع من معلم. إذن فلم يكن من سبيل لمعرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا النبأ إلا بالوحي، لذلك قال الحق سبحانه:

{ ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [آل عمران: 44]

2-وقلنا قديما إن الوحي، هو إعلام بخفاء؛ لأن الإعلام العادي هو أن يقول إنسان لإنسان خبراً ما، أو يقرأ الإنسان الخبر، أما الإعلام بخفاء فاسمه ” وحي “. والوحي يقتضي ” موحي ” وهو الله، ” وموحى إليه ” وهو الرسول الله صلى الله عليه وسلم، و ” موحى به ” وهو القرآن الكريم.وإذا نظرنا إلى الإعلام بخفاء لوجدنا له وسائل كثيرة.إن الله يوحي. لكن الموحي إليه يختلف. الله سبحانه وتعالى يوحي للأرض:
{  إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [الزلزلة: 1-5].

إنه إعلام بخفاء، لأن أحدا منا لم يسمع الله وهو يوحي للأرض، والحق سبحانه يوحي للنحل، ويوحي للملائكة، ويوحي للأنبياء، وهناك وحي من غير الله، كوحي الشياطين أعوذ بالله منهم.
{  وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الانعام: 121].

وهناك وحي من البشر للبشر:
{  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [الأنعام: 112].

لكن الوحي إذا أُطلق، ينصرف إلى الوحي من الله إلى من اختاره لرسالة، وما عدا ذلك من أنواع الوحي يسمونه ” وحيا لغويا ” إنما الوحي الاصطلاحي وحي من الله لرسول صلى الله علية وسلم ، إذن فوحى الله للأرض ليس وحيا اصطلاحيا، ووحى الله للنحل ليس وحيا اصطلاحيا، ووحي الله لأم موسى ليس وحيا اصطلاحيا، ووحي الله للحواريين ليس وحيا اصطلاحيا، إن الحق سبحانه يقول:
{  وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } [المائدة: 111].

إن هذا لون من الوحي غير اصطلاحي، بل هو وحي لغوي، أي أعلمهم بخفاء. لكن الوحي الحقيقي أن يُعلم الله من اختاره لرسالة، وهذا هو الوحي الذي جاء للرسول صلى الله عليه وسلم. يقول الحق: { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }.

هكذا يخبرنا الحق ان الرسول تلقى هذا النبأ بالوحي، فلم يقرأه، ولم يشاهده، ونحن نعرف أن خصوم رسول الله صلى الله علية وسلم شهدوا انه لم يقرأ ولم يستمع من معلم. وهكذا يخبرنا الحق أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن موجودا مع قوم مريم حين ألقوا أقلامهم.

3-والقلم يُطلق على القلم الذي نكتب به، أو يطلق القلم على القداح التي كانوا يقترعون بها إذا اختلفوا على شيء. وكانوا عندما يختلفون يحضرون قداحا، ليعرفروا من يظفر بالشيء المختلف عليه ونسميها نحن القرعة، والقرعة يقومون بإجرائها لإخراج الهوى من قسمة شائعة بين أفراد، وذلك حتى لا يميل الهوى إلى هذا أو إلى ذاك مفضلا له على الآخرين، ولذلك فنحن أيضا نجري القرعة فنضع لكل واحد ورقة.إذن فلا هوى لأحد في إجراء قسمة عن طريق القرعة، وبذلك نكون قد تركنا المسألة إلى قدر الله لأن الورقة لا هوى لها، ولما اختلف قوم مريم على كفالتها، واختصموا حول مَن الذي له الحق في أن يكفلها. هنا أرادوا أن يعزلوا الهوى عن هذه المسألة، وأرادوا أن تكون قدرية، ويكون القول فيها عن طريق قدح لا هوى له.وهذا القدح سيجري على وفق المقادير. أما ” أقلامهم ” فقد تكون هي القداح التي يقتسمون بها القرعة، أو الأقلام التي كتبوا بها التوراة تبركا.وتساؤل البعض، ما المقصود بقول الحق: ” إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ ” وأين تم إلقاء هذه الأقلام؟ قيل: إنها ألقيت في البحر وإذا ألقيت الأقلام في البحر فمن الذي يتميز في ذلك؟ قيل: إنه إذا ما أطل قلم بسنه إلى أعلى فصاحبه الفائز، أو إذا غرقت كل الأقلام وطفا قلم واحد يكون صاحبه هو الفائز. ولا بد أنهم اتفقوا على علامة أو سمة ما تميز القلم الذي كان لصاحبه فضل كفالة مريم. { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }.

4-وكلمة { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } تدل على حرارة المنافسة بين القوم شوقا إلى كفالة مريم، لدرجة أن أمر كفالتها دخل في خصومة، وحتى تنتهي الخصومة لجئوا إلى الاقتراع بالأقلام.وننتقل الآن إلى مرحلة أخرى.

جزء تعليم القراءة والتلاوة

-مد متصل:أَنْبَاءِ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة آل عمران الاية 43

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 43

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

ملخص الايات:

-لماذا يصطفى الله  عز وجل واحدا، ليشيع اصطفاؤه في الناس؟ لأن الاصطفاء من الحق لا بد أن يبرئه من كل ما يمكن أن يقع فيه نظيره من الاختيارات غير المرضية، والحق سبحانه يريده نموذجاً لا يقع منه الا الخير، والمثال الكامل على ذلك اصطفاء الحق سبحانه لسيدنا  محمد صلى الله عليه وسلم 

{ يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ } إنه أمر بالعبادة الخاشعة المستديمة لربها

و { وَٱسْجُدِي } أي بَالِغِي في الخشوع، والخضوع، بوضع الجبهة التي هي أشرف شيء في الإنسان على الأرض، لأن السجود هو أعلى مرتبة من الخضوع

تتحدث الاية عن:

1-فكأن ما تقدم من حيثيات الاصطفاء الأول، والاصطفاء الثاني، يستحق منها القنوت، أي العبادة الخالصة الخاضعة الخاشعة. وقد يقول قائل: ولماذا يصطفى الله  عز وجل واحدا، ليشيع اصطفاؤه في الناس؟ لأن الاصطفاء من الحق لا بد أن يبرئه من كل ما يمكن أن يقع فيه نظيره من الاختيارات غير المرضية، والحق سبحانه يريده نموذجاً لا يقع منه الا الخير، والمثال الكامل على ذلك اصطفاء الحق سبحانه لسيدنا  محمد صلى الله عليه وسلم من أول الأمر وجعله لا يفعل إلا السلوك الطيب من أول الأمر، وذلك حتى يعطينا الرسول القدوة الإيمانية في ثلاث وعشرين سنة هي مدة الرسالة المحمدية.

2-والحق يقول لمريم على لسان الملائكة: { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ } إنه أمر بالعبادة الخاشعة المستديمة لربها، وكلمة { لِرَبِّكِ } تعني التربية، فكأن الاصطفاءات هي من نعم الله عليك يا مريم، وتستحق منك القنوت { وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } و { وَٱسْجُدِي } أي بَالِغِي في الخشوع، والخضوع، بوضع الجبهة التي هي أشرف شيء في الإنسان على الأرض، لأن السجود هو أعلى مرتبة من الخضوع.لكن أيعفيها هذا اللون من الخضوع مما يكون من الركوع لله مع الناس؟ لا، إنه الأمر الحق يصدر لمريم { وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } ولا يعفيك من الركوع أنك فعلت الأمر الأعلى منه في الخضوع وهو السجود، بل عليك أن تركعي مع الراكعين، فلا يحق لك يا مريم أن تقولي: ” لقد أمرني الله بأمر ” أعلى ولم أنفذ الأمر الأدنى ” إن الحق يأمرها أن تكون أيضا في ركب الراكعين مثلما نقرأ قوله الحق عن الكفار:
{  مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } [المدثر: 42-43].
إنهم كفار، فكيف يصلون؟ إنه اعتراف منهم بأنهم كفار، ولم يكونوا مسلوكين في سلك من يصل، واعتراف بانهم لم يكونوا مسلمين أو مؤمنين بالله. وهنا يسأل سائل كريم: لماذا قال سبحانه وتعالى في خطابه لمريم: { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } ولم يقل الحق: ” مع الراكعات “؟ هذا هو السؤال.وإجابة على هذا السؤال نحب أن نمهد تمهيدا بسيطا إلى فلسفة الأسماء في وضعها على مسمياتها. إن الأسماء ألفاظ من اللغة تعين مسماها. والمسميات مختلفة، فمنها الجماد، ومنها النبات, ومنها الحيوان، ومنها الأسماء التي تدل على عالم الغيب كالجن، والملائكة، وكل ما غيب الله. هذه الأسماء تدل على معانيها.وهدى الله سبحانه البشر إليها بما علم آدم من الأسماء، فكيف كان باستطاعة آدم التعبير عن معطيات الأسماء بمسمياتها؟ إذن لا بد أن يوجد لكل شيء اسم حتى نستطيع حين نتفاهم على الشيء أو الكائن بأن نذكر لفظا واحدا موجزاً يشير إليه.ولو لم يكن يذكر هذا فكيف كان باستطاعة إنسان أن يتكلم مع إنسان آخر عن الجبل مثلا؟. أكان على المتكلم أن يأخذ السامع إلى الجبل ويشير إليه؟ أم يكفي أن يقول له لفظ ” جبل ” حتى يستحضر السامع في ذهنه صورة لهذا المسمى؟إذن.. ففلسفة تعليم الحق للأسماء لنا أزاحت عنا عبئا كبيرا من صعوبة التفاهم. ولو لا ذلك لما استطعنا أن نتفاهم على شيء إلا إذا واجهنا الشيء وأشرنا إليه. فكلمة ” جبل ” وكلمة ” صخر ” وغيرها من الكلمات هي أسماء لمسميات.. وعندما أتكلم على سبيل المثال عن أمريكا فإنني لن آخذ السامع إليها وأشير إليه قائلا ” إن هذه هي أمريكا ” ، لكن كلمة واحدة هي ” أمريكا ” تعطي السامع معنى للمسمى، فتلحق الأحكام على مسمياتها. وما دامت المسألة هكذا فلا بد من وجود أسماء لمسميات، هذه الأسماء علمها الله للإنسان حتى يتفاهم بها والإنسان أصله من آدم.وكلمة ” آدم ” حينما تتكلم بها تجدها في النحو مذكرة، والمذكر يقابله المؤنث. وقد خلق الحق الأعلى: الذكورة والأنوثة؛ لأن من تزاوجهما سيخرج النسل. إذن فكان لا بد من التمييز بين النوعين للجنس الواحد. فالذكر والأنثى، هما بنو آدم، ومنها ينشأ التكاثر، لكن العجيب أن الله حين سمى آدم ونطقناه اسما مذكرا وسمى ” حواء ” ونطقناه اسما مؤنثا، وجعل سبحانه الاسم الأصيل الذي وجِدَ منه الخلق هو ” نفس “. لقد قال الحق:

{  يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [النساء: 1].
لقد سمى الحق آدم بكلمة نفس، وهي مؤنثة، إذن فليس معنى التأنيث أنه أقل من معنى التذكير، ولكن ” التذكير ” هو فقط علامة لتضع الأشياء في مسمياتها الحقيقية وكذلك التأنيث. إن الحق سبحانه يطلق على كل إنسان منا ” نفس ” وهي كلمة مؤنثة، وحينما تكلم الحق سبحانه كلاما آخر عن الخلق قال:

{  يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13].
وكلمة ” ناس ” تعني مجموع الإنسان. وهكذا نعرف أن كلمة: ” إنسان ” تُطلق مرة على المذكر، ومرة أخرى على المؤنث. إذن فالحق قد أورد مرة لفظا مذكرا، ومرة أخرى أطلق لفظا مؤنثا، وذلك حتى لا نقول: أن المذكر أفضل وأحسن من المؤنث، ولكن ذلك وسيلة للتفاهم فقط، ولذلك يؤكد لنا الحق سبحانه أنه قد وضع الأسماء لمسمياتها لنتعارف بها.

{  وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ } [الحجرات: 13].
ومعنى ” لنتعارف ” أي أن يكون لكل منا اسمٌ يعرف به عند الآخرين.وفي حياتنا العادية – ولله المثل الأعلى – نجد رجلا عنده أولاد كثيرون، لذلك يُطلق على كل ابن اسما ليعرفه المجتمع به، والعجيب في هذه الآية الكريمة: { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ }. أننا نجد كلمة ” شعوبا ” مذكرة وكلمة ” قبائل ” مؤنثة. إذن فلا تمايز بالأحسن، ولكن الكلمات هنا مسميات للتعارف. والحق الأعلى يقول:

{  وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }
[العصر: 1-3].
إذن فما وضع النساء اللائي آمنّ؟ إنهن يدخلن ضمن { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }. ولماذا أدخل الله المؤنث في الذكر؟ لأن المذكر هو الأصل، والمؤنث جاء منه فرعا. إذن فالمؤنث هو الذي يدخل مع المذكر في الأمور المشتركة في الجنس.

{  يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 21].
وهذا يعني أن ” المؤنث ” عليه أن يدخل في تكليف العبودية لله.والمعنى العام يحدد أن المطلوب منه العبادة هو الإنسان كجنس. وبنوعية الذكر والأنثى. وفي الأمر الخاص بالمرأة، ويحدد الله المرأة بذاتيتها. فالحق سبحانه وتعالى يقول:

{  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } [الأحزاب: 36].
لماذا؟ إن المسألة هنا تشمل النوعين من الجنس الواحد: الرجل والمرأة، زوج وزوجة، فمثلا نجد زوجا يريد تطليق زوجته، فيأتي الحق بتفصيل يوضح ذلك. وإذا كان هناك أمر خاص بالمرأة فالحق سبحانه وتعالى يحدد الأمر فها هوذا قوله الحكيم:

{  يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [الأحزاب: 32-33].
إن كل ما جاء في الآية السابقة يحدد المهام بالنسبة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فالخطاب الموجه يحدد الأمر بدقة ” لستن ” و ” اتقيتن ” ، و ” لا تخضعن ” ، و ” قرن ” ، و ” لا تبرجن “. الحديث في هذه الآية الكريمة يتعلق بالمرأة لذلك يأتي لها بضميرها مؤنثا.ولكن إذا جاء أمر يتعلق بالإنسان بوجه عام فإن الحق يأتي بالأمر شاملا للرجل والمرأة ويكون مذكرا، ولذلك فعندما قالت النساء لماذا يكون الرجل أحسن من المرأة، جاء قول الحق:

{  إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }
[الأحزاب: 35].
هكذا حسم الحق الأمر.قال سبحانه تأكيدا لذلك؛

{  وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }
[النساء: 124].
إن الذكر والأنثى هنا يدخلان في وصف واحد هو { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } إذن فعندما يأتي الأمر في المعنى العام الذي يُطلب من الرجل والمرأة فهو يُضمر المرأة في الرجل لأنها مبنية على الستر والحجاب، مطمورة فيه. داخله معه.. فإذا قال الحق سبحانه لمريم: { وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } فالركوع ليس خاصا بالمرأة حتى يقول ” مع الراكعات ” ولكنه أمر عام يشمل الرجل والمرأة، لذلك جاء الأمر لمريم بأن تركع مع الراكعين، وبعد ذلك يقول الحق: { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب