تفسير سورة البقرة الاية 280

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 280

وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

سبب نزول الاية:

قال الكلبي: قالت بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم، فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة، فأبوا أن يؤخروهم، فأنزل الله تعالى{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ}

يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء، فقال{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينة إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، ثم يندب إلى الوضع عنه ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل، فقال{ وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} أي وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين. وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك. فالحديث الأول عن أبي أمامة أسعد بن زرارة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من سرّه أن يظله اللّه يوم لا ظل إلا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه) “”رواه الطبراني“” حديث آخر : عن محمد بن كعب القرظي أن أبا قتادة كان له دين على رجل، وكان يأتيه تقاضاه فيختبئ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه، فقال: نعم هو في البيت يأكل خزيرة، فناداه فقال: يا فلان اخرج فقد أخبرت أنك ها هنا، فخرج إليه فقال: ما يُغَيبك عني؟ فقال: إني معسر وليس عندي، قال: آللّه إنك معسر؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة، ثم قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (من نفّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة)رواه أحمد والإمام مسلم“” حديث آخر: عن حذيفة بن اليمان قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (أتى اللّه بعبد من عبيده يوم القيامة قال: ماذا عملت لي في الدنيا؟ فقال: ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها قالها ثلاث مرات – قال العبد عند آخرها: يا رب إنك كنت أعطيتني فضل مال، وكنتُ رجلاً أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أيسّر على الموسر وأنظر المعسر، فقال، فيقول اللّه عزّ وجلّ: أنا أحق من ييسر، ادخل الجنة “”)أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة”” ولفظ البخاري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل اللّه يتجاوز عنا، فتجاوز اللّه عنه) حديث آخر عن عبد اللّه بن سهل بن حنيف أن سهلاً حدّثه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (من أعان مجاهداً في سبيل اللّه أو غازياً أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته أظله اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله) “”رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد”” حديث آخر: أخرج مسلم في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه غلام له، معه ضَمامة مجموعة من صحف، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري ثوب ينسب إلى حي في همدان وعلى غلامه بردة ومعافري، فقال له أبي: يا عم، إني أرى في وجهك سَعْفة طبيعة من غضب من غضب، قال: أجل كان لي على فلان بن فلان الرامي مال، فأتيت أهله فسلمت فقلت أثَمَّ هو؟ قالوا: لا فخرج علي ابن له جَفْر كرش واسع فقلت: أين أبوك؟ فقال: سمع صوتك فدخل أريكة سرير فاخر أمي، فقلت: أخرج إليَّ فقد علمت أين أنت، فخرج فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا واللّه أحدثك ثم لا أكذبك، خشيت واللّه أن أحدثك فأكذبك أو أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكنت واللّه معسراً قال، قلت: آللّه. قال: آلله؟ ثم قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده ثم قال: فإن وجدت قضاء فاقضني، وإلا فأنت في حل، فأشهدُ: أبصَر عيناي هاتان – ووضع أصبعيه على عينيه – وسمعَ أذناي هاتان ووعاه قلبي – وأشار إلى نياط قلبه – رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول: (من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله اللّه في ظله). حديث آخر عن ابن عباس قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول بيده هكذا – وأومأ أبو عبد الرحمن بيده إلى الأرض – : (من أنظر معسراً أو وضع عنه وقاه اللّه من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حَزْن ما غلظ من الأرض بربوة ثلاثاً ألا إن عمل النار سهل بسهوة أرض لينة ملائمة والسعيد من وقي الفتن وما من جرعة أحب إلى اللّه من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد للّه إلا ملأ اللّه جوفه إيماناً) “”تفرد به أحمد””

ملخص الايات:

– قوله تعالى { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } أي فإن وجد ذو عسرة.. أي إن وجد إنسان ليس عنده قدرة على السداد، { فَنَظِرَةٌ } من الدائن { إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } أي إلى أن يتيسر، ويكون رأس المال في هذه الحالة { قَرْضاً حَسَناً } ، وكلما صبر عليه لحظة أعطاه الله عليها ثوابا.

-الفرق بين مقام الايمان ومقام الاحسان؟ نجد في أموال صاحب مقام الإحسان حقا للسائل والمحروم، لكن في أموال صاحب الإيمان حق معلوم وهو الزكاة. ومقام الإحسان يعلو مقام الإيمان؛ لأن الحق في مال المؤمن معلوم، أما في مقام الإحسان فإن في مالهم حقا للإحسان إلى الفقير وإن لم يكن معلوما، أي لم يحدد.

-.والمشرعون من البشر عندما يقننون فهم يضعون القانون جافاً، فمثال ذلك: من قتل يقتل، وغير ذلك. لكن الحق يقول غير ذلك حتى في أعنف قضايا الخلاف، وهي خلافات الدم، فقال سبحانه:  (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)

تتحدث الايات عن:

1-و { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } حكم بأن للدائن رأس المال، ولكن هب أنّ المدين ذو عسرة، هنا قضية يثيرها بعض المستشرقين الذين يدعون أنهم درسوا العربية، لقد درسوها صناعة، ولكنها عزت عليهم ملكة؛ لأن اللغة ليست صناعة فقط، اللغة طبع، واللغة ملكة، اللغة وجدان، يقولون: إن القرآن يفوته بعض التقعيدات التي تقعدها لغته. فمثلا جاءوا بهذه الآية: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }قال بعض المستشرقين: نريد أن نبحث مع علماء القرآن عن خبر { كَانَ } في قوله{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } ، صحيح لا نجد خبر { كَانَ } ، ولكن الملكة العربية ليست عنده؛ لأنه إذا كان قد درس العربية كان يجب أن يعرف أن{ كَانَ } تحتاج إلى اسم وإلى خبر، اسم مرفوع وخبر منصوب وهذه هي التي يقال عنها كان الناقصة، كان يجب أن يفهم أيضا معها أنها قد تأتي تامة أي ليس لها خبر، وتكتفي بالمرفوع، وهذه تحتاج إلى شرح بسيط.
إن كل فعل من الأفعال يدل على حدث وزمن، وكلمة { كَانَ } إن سمعتها دلت على وجود وحدث مطلق لم تبين فيه الحالة التي عليها اسمها، كان مجتهدا؟ كان كسولا؟ مثلا فهي تدل على وجود شيء مطلق أي ليس له حالة، ومعنى ذلك أن { كَانَ } دلت على الزمن الوجودي المطلق أي على المعنى المجرد الناقص، والشيء المطلق لا يظهر المراد منه إلا إذا قيد، فإن أردت أن تدل على وجود مقيد ليتضح المعنى، ويظهر، فلا بد أن تأتيها بخبر، كأن تقول: كان زيد مجتهدا، هنا وجد شيء خاص وهو اجتهاد زيد. إذن فـ { كَانَ } هنا ناقصة تريد الخبر يكملها وليعطيها الوجود الخاص، فإذا لم يكن الأمر كذلك وأردنا الوجود فقط تكون { كَانَ } تامة أي تكتفي بمرفوعها فقط مثل أن تقول: عاد الغائب فكان الفرح أي وجد، أو أشرقت الشمس فكان النور، والشاعر يقول:

وكـانت وليـس الصـبح فيـها بأبيـض   وأضـحت وليـس اللـيـل فيـها بأسـود

فقوله { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } أي فإن وجد ذو عسرة.. أي إن وجد إنسان ليس عنده قدرة على السداد، { فَنَظِرَةٌ } من الدائن { إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } أي إلى أن يتيسر، ويكون رأس المال في هذه الحالة { قَرْضاً حَسَناً } ، وكلما صبر عليه لحظة أعطاه الله عليها ثوابا.ولنا أن نعرف أن ثواب القرض الحسن أكثر من ثواب الصدقة؛ لأن الصدقة حين تعطيها فقد قطعت أمل نفسك منها، ولا تشغل بها، وتأخذ ثوابا على ذلك دفعة واحدة، لكن القرض حين تعطيه فقلبك يكون متعلقا به، فكلما يكون التعلق به شديدا، ويهب عليك حب المال وتصبر فأنت تأخذ ثوابا. لذلك يجب أن تلحظ أن القرض حين يكون قرضا حسنا والمقترض معذور بحق؛ لأن فيه فرقاً بين معذور بحق، ومعذور بباطل، المعذور بحق هو الذي يحاول جاهدا أن يسدد دينه، ولكن الظروف تقف أمامه وتحول دون ذلك، أما المعذور بباطل فيجد عنده ما يسد دينه ولكنه يماطل في السداد ويبقى المال ينتفع به وهو بهذا ظالم.ولذلك جرب نفسك، ستجد أن كل دين يشتغل به قلبك فاعلم أن صاحبه حرص على السداد ولم يسدد، وكل دين كان برداً وسلاماً على قلبك فاعلم أن صاحبه معذور بحق ولا يقدر أن يسدد، وربما استحييت أنت أن تمر عليه مخافة أن تحرجه بمجرد رؤيتك. وهؤلاء لا يطول بهم الدّيْنُ طويلا؛ لأن الرسول صلى الله علية وسلم حكم في هذه القضية حكما، فقال صلى الله عليه وسلم: ” من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله “. فما دام ساعة أخذها في نيته أن يؤدي فإن الله ييسر له سبيل الأداء، ومن أخذها يريد إتلافها، فالله لا ييسر له أن يسدد؛ لأنه لا يقدر على ترك المال يسدد به دينه وهذه حادثة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسر لنا هذا الحديث، فقد مات رجل عليه دين، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مدين؛ قال لأصحابه: صلوا على أخيكم.إذن فهو لم يصل، ولكنه طلب من أصحابه أن يصلوا، لماذا لم يصل؟ لأنه قال قضية سابقة: ” من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنهما دام قد مات ولم يؤد إذن فقد كان في نيته أن يماطل، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنع أصحابه من الصلاة عليه.والرسول صلى الله عليه وسلم يأتي للمعسر ويعامله معاملة الأريحية الإيمانية فيقول: ” من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله “. ومعنى أنظر ” أي أمهله وأخر أخذ الدين منه فلا يلاحقه، فلا يحبسه في دَيْنِه، فلا يطارده، وإن تسامى في اليقين الإيماني، يقول له: ” اذهب، الله يعوض عليَّ وعليك ” وتنتهي المسألة، ولذلك يقول الحق: { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } والثمرة هي حسن الجزاء من الله. فإما أن تنظر وتؤخر، وإما أن تتصدق ببعض الدين أو بكل الدين، وأنت حر في أن تفعل ما تشاء. فانظروا دقة الحق عند تصفية هذه القضية الاقتصادية التي كانت الشغل الشاغل للبيئة الجاهلية.

2-ولقد عرفنا مما تقدم أن الإسلام قد بنى العملية الاقتصادية على الرفد والعطاء، وتكلم الحق سبحانه وتعالى عنها في آيات النفقة التي سبقت من أول قوله تعالى: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ }.وتكلم طويلاً عن النفقة. والنفقة تشمل ما يكون مفروضاً عليك من زكاة، وما تتطوع به أنت. والمتطوع بشيء فوق ما فرض الله يعتبره سبحانه حقاً للفقير، ولكنه حق غير معلوم، ولذلك حينما تعرضنا إلى قوله سبحانه: فى سورة (الذاريات: 15-17)
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيلِ مَا يَهْجَعُونَ }
أيتطلب الإسلام منا ألا نهجع إلا قليلاً من الليل؟ لا، إن للمسلم أن يصلي العشاء وينام، ثم يقوم لصلاة الفجر، هذا ما يطلبه الإسلام. لكن الحق سبحانه هنا يتكلم عن المحسنين الذين دخلوا في مقام الإحسان مع الله.
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }     (الذاريات: 15-18)
هل التشريع يلزم المؤمن أن يقوم بالسحر ليستغفر؟ لا، إن المسلم عليه أن يؤدي الفروض، ولكن إن كان المسلم يرغب في دخول مقام الإحسان فعليه أن يعرف الطريق: وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }  

(الذاريات: 18)
والكلام هنا في مقام الإحسان. ويضيف الحق عن أصحاب هذا المقام:إن الله سبحانه قد حدد في أموال من يدخل في مقام الإحسان حقا للسائل والمحروم، ولم يحدد الله قيمة هذا الحق أو لونه. هل هو معلوم أو غير معلوم. لكن حين تكلم الله عن المؤمنين قال سبحانه: {وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ }  

(الذاريات: 19)
وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ }   (المعارج: 24-25)
وهكذا نجد في أموال صاحب مقام الإحسان حقا للسائل والمحروم، لكن في أموال صاحب الإيمان حق معلوم وهو الزكاة. ومقام الإحسان يعلو مقام الإيمان؛ لأن الحق في مال المؤمن معلوم، أما في مقام الإحسان فإن في مالهم حقا للإحسان إلى الفقير وإن لم يكن معلوما، أي لم يحدد.وقد رأينا بعض الفقهاء قد اعتبر الزكاة ـ ما دامت حقاً للفقير عند الغني ـ فإن منع الغني ما قدره نصاب سرقة تُقطع يد الغني، لأنه أخذ حق الفقير. ونصاب السرقة ربع دينار ذهباً، فيبني الإسلام قضاياه الاجتماعية إما عل النفقة غير المفروضة وإما على النفقة المفروضة. فإذا ما شحّت نفوس الناس، ولم تستطيع أن تتبرع بالقدر الزائد على المفروض، وتمكن حب مالها في نفسها تمكنا قوياً بحيث لا تتنازل عنه يقول الله سبحانه لكل منهم:أنت لم تتنازل عن مالك، وأنا حرمت الربا، فكيف نلتقي لنضع للمجتمع أساساً سليماً؟ سنحتفظ لك بمالك ونمنع عنك فائدة الربا، وهكذا نلتقي في منتصف الطريق، لا أخذنا مالك، ولا أخذت من غيرك الزائد على هذا المال.

3-وشرح الحق سبحانه آية الديْن، وأخذت هذه الآية أطول حيز في حجم آيات القرآن، لماذا؟. لأن على الديْن هذا تُبنى قضايا المجتمع الاقتصادية عند من لا يجد مورداً مالياً يُسيّر به حركة حياته.وحين وضع الحق آية الديْن لم يضعها وضعاً تقنينياً جافاً جامداً، وإنما وضعها وضعاً وجدانيا. أي مزج التقنين بالوجدان، مزج الحق جمود القانون بروح الإسلام، فلم يجعلها عملية جافة.والمشرعون من البشر عندما يقننون فهم يضعون القانون جافاً، فمثال ذلك: من قتل يقتل، وغير ذلك. لكن الحق يقول غير ذلك حتى في أعنف قضايا الخلاف، وهي خلافات الدم، فقال سبحانه:
{ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}    (البقرة: 178)

جزء تعليم القراءة والتلاوة:

ادغام بغنة: مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَنْ

ادغام كامل: خَيْرٌ لَكُمْ
اظهار: فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ

اخفاء: عُسْرَةٍ فَنَظِرَة

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 279

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 279

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ

سبب نزول الاية:

قال ابن عباس{ فأذنوا بحرب} أي استيقنوا بحرب من اللّه ورسوله، وتقدم عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، ثم قرأ{ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله}أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس{فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله} فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه. وقال قتادة: أو عدهم اللّه بالقتل كما يسمعون وجعلهم بهرجاً أي دماؤهم مهدورة أين ما أتو، فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا، فإن اللّه قد أوسع الحلال وأطابه، فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة “”رواه ابن أبي حاتم”” ثم قال تعالى{وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظْلمون} أي بأخذ الزيادة { ولا تُظْلمون} أي بوضع رءوس الأموال أيضاً بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه، خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع فقال: (ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله، لكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله) “”رواه ابن أبي حاتم””

ملخص الايات:

– { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } كلمة (الألف والذال والنون) من ” الأذن ” وكل المادة مشتقة من ” الأذن ” و ” الأذُن ” هي الأصل الأول في الإعلام؛ لأن الإنسان ليس مفروضاً أنه قارئ أولا، إنّه لا يكون قارئاً إلا إذا سمع، إذن فلا يمكن أن ينشأ إعلام إلا بالسماع.

-{ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } إنما تسير على نمط معتدل لا على ظلم موجه. فنحن نعيب على قوم أنهم ظلموا، ثم نأتي بقوم لنجعلهم يَظْلِمون، لا.. إن الجميع على قدم المساواة من الآن.وفساد أي نظام في المجتمع يأتي من توجيه الظلم من فئة جديدة إلى فئة قديمة، فبذلك يظل النظام قائما، طائفة ظَلَمَت، وتأتي طائفة كانت مظلومة لتظلم الطائفة الظالمة سابقا، نقول لهم: ذلك ظلم موجه، ونحن نريد أن تنتظم العدالة وتشمل كل أفراد المجتمع بأن يأخذ كل إنسان حقه، فالذي ظَلَمَ سابقا منعناه عن ظلمه، والمغلوب سابقا أنصفناه، وبذلك يصير الكل على قدم المساواة؛ ليسير المجتمع مسيرة عادلة تحكمه قضية إيمانية. إننا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

تتحدث الايات عن:

1-في هذه الآية قضية كونية يتغافل عنها كثير من الناس. لقد جاء نظام ليحمي طائفة من ظلم طائفة، ولم يأت هذا النظام إلا بعد أن وجدت طائفة المرابين الذين ظلموا طائفة الفقراء المستضعفين. وحَسْبُ هؤلاء المستضعفين الذين استغلوا من المرابين أن ينصفهم القرآن وأن يُنهي قضية الربا إنهاءً يعطي الذين رابوا ما سلف لأنهم بنوا حياتهم على ذلك.و { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } كلمة (الألف والذال والنون) من ” الأذن ” وكل المادة مشتقة من ” الأذن ” و ” الأذُن ” هي الأصل الأول في الإعلام؛ لأن الإنسان ليس مفروضاً أنه قارئ أولا، إنّه لا يكون قارئاً إلا إذا سمع، إذن فلا يمكن أن ينشأ إعلام إلا بالسماع والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن أدوات العلم للإنسان قال:
{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (النحل: 78)

ولذلك عندما جاء علم وظائف الأعضاء ليبحث ذلك وجدوها طبق الأصل كما قال الله عز وجل عنها. فالوليد الصغير حين يولد إن جاء إصبع إنسان عند عينيه فلا يهتز له رمش؛ لأن عينه لم تؤد مهمتها بعد، ولكن إن تصرخ بجانب أذنه فإنه ينفعل.وعرفنا أن أول أداة تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان الوليد هي أذنه، وهي أيضا الأداة التي تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان مستيقظاً كان أو نائماً. إن العين تغمض في النوم فلا ترى، لكن الأذن مستعدة طوال الوقت لأن تسمع؛ لأنها آلة الاستدعاء. إذن فمادة ” الأَذَان ” و ” الأُذُن ” كلها جاءت من مهمة السمع، وقال الله سبحانه وتعالى:
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }   (الانشقاق: 5)

ما معنى أذنت؟. أنت حين تسمع من مساو لك، فقد تنفذ وقد لا تنفذ، لكن حين تسمعه من إله قادر فلا مناص لك إلا أن تنفذ، فكأن الله عز وجل يقول: إن الأرض تنشق حين تسمع أمري بالانشقاق. فبمجرد أن تسمع الأرض أمر الحق فإنها تفعل، وحق لها أن تفعل ذلك؛ إنها أذنت لأمر الله، أي خضعت؛ لأن القائل لها هو الله.

2-إذن كل المادة هنا جاءت من ” الأذن “. ولذلك فالله يقول لمن لا يفعل ما أمر به الله في الربا؛ { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }. أما حرب الله فلا نقول فيها إلا قول الله:
{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ }   (المدثر: 31)
ولا يستطيع أحد أن يحتاط لها. وأما حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هي الأمر الظاهر. كأن الله سبحانه وتعالى يجرد على المرابين تجريدة هائلة من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله صلى الله علية وسلم، وعليهم أن يكونوا حربا على كل ظاهرة من ظواهر الفساد في الكون؛ ليطهروا حياتهم من دنس الربا.وهكذا وضع الله نهاية لأسلوب التعامل، حتى يتطهر المال من ذلك الربا، فإذا قال الحق: { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } فمعنى هذا أنه سبحانه يبين لنا بهذا القول أنه لا حق للمرابين في ضعف ولا ضعفين، ولا في أضعاف مضاعفة. وحينئذ { لاَ تَظْلِمُونَ } من رابيتم، بأن تأخذوا منهم زائدا عن رأس المال.
ولكن ما موقع { وَلاَ تُظْلَمُونَ } ، ومن الذي يظلمهم؟ قد يظلمهم الضعيف الذي ظُلِمَ لهم سابقا، ويأخذ منهم بعض رأس المال بدعوى أنهم طالما استغلوه فأخذوا منه قدراً زائدا على رأس المال. إن المشرع يريد أن يمنع الظالم السابق فينهي ظلمه، وأن يسعف المظلوم اللاحق فيعطيه حقه، وهو سبحانه لا يريد أن يوجه ظلما ليستغل به من ظُلم فيظلم الذي ظلمه أولا، بل سبحانه يشاء بهذا الحكم أن ينهي هذا النوع من الظلم على إطلاقه، وأن يجعل الجميع على قدر سواء في الانتفاع بمزايا الحكم.وكثير من النظريات التي تأتي لتقلب نظاما في مجتمع ما تعمد إلى الطائفة التي ظَلَمَت، فلا تكتفي بأن تكفها عن الظلم، ولكن تمكن للمظلوم أن يظلم من ظلمه، وذلك هو الإجحاف في المجتمع، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه الناس جيدا؛ لأن الله الذي أنصفك أيها المظلوم من ظالمك، فمنع ظلمه لك، هنا يجب أن تحترم حكمه حينما قال: { فَلَهُ مَا سَلَفَ } وبهذا القول انتهت القضية.ويستأنف سبحانه الأمر بعدالة جديدة تجمعك وتجمعه على قدم المساواة بدون ظلم منك أيها المظلوم سابقا بحجة أنه طالما ظلمك. والمجتمعات حين تسير على هذا النظام { لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } إنما تسير على نمط معتدل لا على ظلم موجه. فنحن نعيب على قوم أنهم ظلموا، ثم نأتي بقوم لنجعلهم يَظْلِمون، لا.. إن الجميع على قدم المساواة من الآن.وفساد أي نظام في المجتمع يأتي من توجيه الظلم من فئة جديدة إلى فئة قديمة، فبذلك يظل النظام قائما، طائفة ظَلَمَت، وتأتي طائفة كانت مظلومة لتظلم الطائفة الظالمة سابقا، نقول لهم: ذلك ظلم موجه، ونحن نريد أن تنتظم العدالة وتشمل كل أفراد المجتمع بأن يأخذ كل إنسان حقه، فالذي ظَلَمَ سابقا منعناه عن ظلمه، والمغلوب سابقا أنصفناه، وبذلك يصير الكل على قدم المساواة؛ ليسير المجتمع مسيرة عادلة تحكمه قضية إيمانية. إننا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

3-وبعد ذلك يجيء القرآن ليفتح باب جديدا من الأمل أمام المظلومين. وليضع حدا للذين كانوا ظالمين أولا، وحكم لهم برأس المال ومنعهم من الزائد على رأس المال، فحنن قلوبهم على هؤلاء. أَيْ ليست ضربة لازب أن تأخذوا رأس المال الآن، ولكن عليكم أن تُنْظِروا وتمهلوا المدين إن كان معسراً، وإن تساميتم في النضج الإيماني اليقيني وارتضيتم الله بديلا لكم عن كل عوض يفوتكم، فعليكم أن تتجاوزوا وتتنازلوا حتى عن رءوس أموالكم التي حكم الله لكم بها لتترفعوا بها وتهبوها لمن لا يقدر. فيأتي قول الحق: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ}

جزء تعليم القراءة والتلاوة:
ادغام بغنة: بِحَرْبٍ مِنَ
مد صلة صغرى: وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

هل أحسست أن عُمرك غالٍ وثمين من قبل؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسليين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم

هل أحسست أن عُمرك غالٍ وثمين من قبل؟!
رحم الله فلان .. كان و كان و كان
لن تُذكر الا الأعمال
ما أجمل أن تحيا عُمراً غالٍ وثمين
بعطائك تسمو أيامك تزداد سنين
لا تسأل الأيام متى أبدأُ بالتغير ؟ ..
الآن الآن فخير الوقت الآن يحين
بادر و استبق الخير ستسعدُ ذاك يقين
 

أرجو الدعاء لى فى شهر رجب الكريم

تصــدقوا وتعــــاملوا مع بعضكم بالحسنــى واكثروا من الاستغفار يرحمكم الله عز وجل

اللهم اجعلنا ممن تحبهم ومن الذين تتول امرهم فى الدنيا والاخرة اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا اليك يا ارحم الراحميين

اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنيين والمؤمنات والمسلميين والمسلمات  الاحياء منهم والاموات امين امين امين يا رب العالميين

اللهم نستودعك الحج  والعمرة دائما ابدا امين امين امين يا رب العالميين

اللهم استودعك أن أعيش وأموت فى المدينة المنورة ويصلى على 100 مليون ملك و100 مليون مؤمنة و100مليون مؤمن و 100 مليون مسلمة و 100 مليون مسلم وادفن فى المدينة المنورة عند الرسول علية الصلاة والسلام امين امين امين

 رَ‌بِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّ‌يَّتِي ۚ رَ‌بَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ  رَ‌بَّنَا اغْفِرْ‌ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ

اللهم اهدينا في من هديت وتولنا في من توليت

لبيـــك اللــــهم لبيـــــك لبيـــــك لا شريك لك لبيــــــــك ان الحمـــــــد والنعمــــــة لك والمـــــلك لا شريك لك

الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير سورة البقرة الاية 278

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 278

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

سبب نزول الاية:

قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا}
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى، حدَّثنا أحمد بن الأخنس، حدَّثنا محمد بن فضيل، حدَّثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس:
بلغنا – والله أعلم – أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف، من ثَقِيف، وفي بني المُغِيرةَ، من بني مَخْزُوم، وكانت بنو المغيرة يُرْبُون لِثَقِيف، فلما أظهر الله تعالى رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كلّه فأتى بنو عمرو بن عمير، وبنو المغيرة إلى عَتَّاب بن أسيد، وهو على مكة، فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا؟ وضع عن الناس غيرنا. فقال بنو عمرو بن عمير: صُولِحْنَا على أن لنا رِبَانا. فكتب عتّاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الاية والتي بعدها{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ} فعرف بنو عمرو أن لا يَدَانِ لهم بحرب من الله ورسوله. يقول الله تعالى{ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ} فتأخذون أكثر { وَلاَ تُظْلَمُونَ} فَتُبْخَسُون منه.
وقال عطاء، وعكرمة: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب، وعثمان بن عفان، وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظّكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف(وتؤخرا النصف) وأضعف لكما؟ ففعلا. فلما حلّ الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهما وأنزل الله تعالى هذه الآية، فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما.
وقال السُّدِّي: نزلت في العباس، وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إن كلَّ ربا مِنْ ربا الجاهلية مَوْضُوع وأول ربا أَضَعُهُ ربا العباس بن عبد المطلب.

ملخص الايات:

– ينادي الحق ويقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي يا من آمنتم بي إلها قادراً حكيماً، عزيزاً عنكم غالباً على أمري، لا تضرني معصيتكم، ولا تنفعني طاعتكم، فإذا كنتم قد آمنتم بي وأنا إله قادر حكيم فاسمعوا مني ما أحبه لكم من الأحكام.

-{ ذَرُواْ } أي اتركوا، ودعوا، وتناسوا، واطلبوا الخير من الله عز وجل فيما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين حقاً بالله. كأن الله عز وجل أراد أن يجعلها تصفية فاصلة، يولد من بعدها المؤمن طاهرا نقيا.إنه أمر من الحق: دعوا الربا الذي لم تقبضوه؛ لأن الذي قبضتموه أمره { فَلَهُ مَا سَلَفَ } والذي لم تقبضوه اتركوه

تتحدث الايات عن:

1-وحين يقول الحق: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فنحن نعرف أن النداء بالإيمان حيثية كل تكليف بعده، وساعة ينادي الحق ويقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي يا من آمنتم بي إلها قادراً حكيماً، عزيزاً عنكم غالباً على أمري، لا تضرني معصيتكم، ولا تنفعني طاعتكم، فإذا كنتم قد آمنتم بي وأنا إله قادر حكيم فاسمعوا مني ما أحبه لكم من الأحكام.إذن فكل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في القرآن هي حيثية كل حكم يأتي بعدها، وأنت تفعل ما يأمرك به الله، وإن سألك أحد: وقال لك: لماذا فعلت هذا الأمر؟ فقل له فعلته لأني مؤمن، والذي أمرني به هو الذي آمنت بحكمته وقدرته. وأنت لا تدخل في متاهة علل الأحكام، لأنك آمنت بأن الله إله حكيم قادر، أنزل لك تلك التكاليف، وإياك أن تدخل في متاهة علة الأحكام، لماذا؟ لأن هناك أشياء قد تغيب علّتها عنك، أكنت تؤجلها إلى أن تعرف العلة؟.أكنا نؤجل تحريم لحم الخنزير إلى أن يثبت حالياً بالتحليل أنه ضار؟ لا، إذا كان قد ثبت حالياً بالتحليل أنه ضار فنحن نزداد ثقة في كل حكم كلفنا الله به، ولم نهتد إلى علته.

2-والحق يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ومن عجائب كلمة { ٱتَّقُواْ } أنها تأتي في أشياء يبدو أنها متناقضة، إنما هي ملتقية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولم يقل هنا: اتقوا النار كما قال في آية أخرى: { ٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ }. إذن فكيف يقول: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ويقول: { ٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ }؟ لأن معنى { ٱتَّقُواْ }: أي اجعلوا وقاية بينكم وبين ربكم.كيف نجعل وقاية بيننا وبين ربنا مع أن المطلوب منا إيمانياً أن نلتحم بمنهج الله لنكون دائما في معية الله؟ نقول: الله سبحانه وتعالى له صفات جلال كالقهار، والمنتقم، والجبار، وذي الطول وشديد العقاب؛ فهو يطلب من عبده المؤمن أن يجعل بينه وبين صفات جلاله وقاية، فالنار جند من جنود صفات الجلال، وحين يقول سبحانه: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } يعني: اجعلوا وقاية بينكم وبين صفات الجلال التي من جنودها النار. إذن فـ { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } مثل { ٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } أي اجعلوا وقاية بينكم وبين النار.

2-ويتابع الحق: { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } ، و { ذَرُواْ } أي اتركوا، ودعوا، وتناسوا، واطلبوا الخير من الله فيما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين حقاً بالله. كأن الله أراد أن يجعلها تصفية فاصلة، يولد من بعدها المؤمن طاهرا نقيا.إنه أمر من الحق: دعوا الربا الذي لم تقبضوه؛ لأن الذي قبضتموه أمره { فَلَهُ مَا سَلَفَ } والذي لم تقبضوه اتركوه: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } فإن قلتم إن التعاقد قد صدر قبل التحريم، والتعاقد قد أوجب لك الحق في ذلك، تذكر أنك لم تقبض هذا الحق ليصير في يدك، ولا تقل إن حياتي الاقتصادية مترتبة عليه، فترتيب الحياة الاقتصادية لم ينشأ بالاتفاق على هذا الربا، ولكنه ينشأ بقبضه وأنت لم تقبضه. ويتابع الحق: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة:

مد مقدار اربع حركات: يَا أَيُّهَا

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 277

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 277

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

ملخص الايات:

– { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } لا من أنفسهم على أنفسهم، ولا من أحبابهم عليهم، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }؛ لأن أي شيء فاتهم من الخير سيجدونه مُحضرا أمامهم.

تتحدث الايات عن:

1-وقلنا: إن كلمة ” أجر ” تقتضي أنه لا يوجد مخلوق يملك سلعة، إنما كلنا مستأجرون، لماذا؟ لأننا نشغل المخ المخلوق لله، بالطاقة المخلوقة لله، في المادة المخلوقة لله، فماذا تملك أنت أيها الإنسان إلا عملك، وما دمت لا تملك إلا عملك فلك أجر { لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ }. وكلمة { عِندَ رَبِّهِمْ } لها ملحظ؛ فعندما يكون لك الأجر عند المساوي لك قد يأكلك، أما أجرك عند رب تولّى هو تربيتك، فلن يضيع أبداً.

2-ويتابع الحق: { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } لا من أنفسهم على أنفسهم، ولا من أحبابهم عليهم، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }؛ لأن أي شيء فاتهم من الخير سيجدونه مُحضرا أمامهم.

جزء تعليم القراءة والتلاوة:

اظهار: خَوْفٌ عَلَيْهِمْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 276

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 276

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ

سبب نزول الاية:

يخبر الحق تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به بل يعدمه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة، كما قال تعالى{ قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} وقال تعالى{ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم} ، وقال{ وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربو عند اللّه} الآية. وقال ابن جرير: في قوله{يمحق اللّه الربا} وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلّ وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل)، وهذا من باب المعاملة بنقيض المقصود كما قال صلى اللّه عليه وسلم : (من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللّه بالإفلاس والجذام). وقوله تعالى{ويربي الصدقات} قرئ بضم الياء والتخفيف من ربا الشيء يربو أي كثّره ونمّاه، وقرئ يُربي بالضم والتشديد من التربية. قال البخاري عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل اللّه إلا الطيب، فإن اللّه يتقبلها بيمنيه ثم يربيّها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل) “”رواه البخاري في كتاب الزكاة وأخرجه مسلم بنحوه”” وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إن اللّه عزّ وجلّ يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد) وتصديق ذلك في كتاب اللّه{يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات}رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إن العبد إذا تصدق من طيّب يقبلها اللّه منه، فيأخذها بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربوا في يد اللّه، أو قال: في كف اللّه، حتى تكون مثل أحد فتصدقوا)رواه أحمد قال ابن كثير صحيح الإسناد ولكن لفظه عجيب وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد) رواه أحمد وقد تفرد به من هذا الوجه وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن الرجل ليتصدق بالصدقة من الكسب الطيب، ولا يقبل اللّه إلا الطيب، فيتلقاها الرحمن بيده فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو وصيفه) رواه البزار عن أبي هريرة مرفوعاً. وقوله تعالى{واللّه لا يحب كل كفار أثيم} أي لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم اللّه له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل. ثم قال تعالى مادحاً للمؤمنين بربهم، المطيعين أمره، المؤدين شكره، المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، مخبراً عما أعد لهم من الكرامة وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون، فقال{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}

ملخص الايات:

– وكلمة { يَمْحَقُ } من ” محق ” أي ضاع حالا بعد حال، أي لم يضع فجأة، ولكن تسلل في الضياع بدون شعور { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا } أي يجعله زاهيا أمام صاحبه ثم يتسلل إليه الخراب من حيث لا يشعر

-{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }. ولماذا قال الحق: ” كفار ” ولم يقل: ” كافر ” ، ولماذا قال: ” أثيم ” وليس مجرد ” آثم “؟ لأنه يريد أن يرد الحكم على الله وما دام يريد أن يرد الحكم على الله، فقد كفر كفرين اثنين: كفر لأنه لم يعترف بهذه، وكفر لأنه ردّ الحكم على الله،

تتحدث الايات عن:

1-وكلمة { يَمْحَقُ } من ” محق ” أي ضاع حالا بعد حال، أي لم يضع فجأة، ولكن تسلل في الضياع بدون شعور، ومنه ” المحاق ” أي الذهاب للهلال. { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا } أي يجعله زاهيا أمام صاحبه ثم يتسلل إليه الخراب من حيث لا يشعر. ولعلنا إن دققنا النظر في البيئات المحيطة بنا وجدنا مصداق ذلك. فكم من أناس رابوا، ورأيناهم، وعرفناهم، وبعد ذلك عرفنا كيف انتهت حياتهم. { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات } ويقول في آية أخرى:
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ}   (الروم: 39)
فإياكم أن تعتقدوا أنكم تخدعون الله بذلك.. ما هو المقابل؟
وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } (الروم: 39)
و{ ٱلْمُضْعِفُونَ } هم الذين يجعلون الشيء أضعافاً مضاعفة. وعندما يقول الحق: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا } فلا تستهن بنسبة الفعل لله؛ إن نسبة الفعل لفاعله يجب أن تأخذ كيفيته من ذات الفاعل، فإذا قيل لك: فلان الضعيف يصفعك، أو فلان الملاكم يصفعك، فلابد أن تقيس هذه الصفعة بفاعلها، فإذا كان الله هو الذي قال: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ }. أيوجد محق فوق هذا؟ لا، لا يمكن.
وأيضا حين يقول الله: { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات } في القرآن الذي يُتلى وهو معجز؛ ومحفوظ ومُتحدي بحفظه، فهذه قضية مصونة { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات }؛ لأن الذي قالها هو الله في كتاب الله المحفوظ، الذي يُتلى مُتَعَبِّداً به، أي أن القضية على ألسنة الجماهير كلها، وفي قلوب المؤمنين كلها، أيقول الله قضية يحفظها ذلك الحفظ ليأتي واقع الزمن ليكذبها؟ لا، لا يمكن. فالإنسان لا يحفظ إلا المستند الذي يؤيده!! أنا لا أحفظ إلا ” الكمبيالة ” التي تخصني! فما دام هو حافظه وهو القائل: {  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر: 9)فمعنى ذلك أنه سبحانه سيطلق فيه قضايا، وهذه القضايا هو الذي تَعهد بحفظها، ولا يتعهد بحفظها إلا لتكون حجة على صدقه في قولها. فالشيء الذي لا يكون فيه حُجة لا نحافظ عليه. وهو سبحانه القائل{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } (الصافات: 173) إن هذه قضية قرآنية تعهد الله بحفظها، فلابد أن يأتي واقع الحياة ليؤيدها، فإذا كان واقع الحياة لا يؤيدها، ماذا يكون الموقف؟ أنكذب القرآن ـ وحاشانا أن نكذب القرآن ـ الذي قاله الحق الذي لا إله سواه ليُدير كوناً من ورائه.

2-{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }. ولماذا قال الحق: ” كفار ” ولم يقل: ” كافر، ولماذا قال: ” أثيم ” وليس مجرد ” آثم “؟ لأنه يريد أن يرد الحكم على الله وما دام يريد أن يرد الحكم على الله، فقد كفر كفرين اثنين: كفر لأنه لم يعترف بهذه، وكفر لأنه ردّ الحكم على الله، وهو ” أثيم ” ، ليس مجرد ” آثم، وفي ذلك صيغة المبالغة لنستدل على أن القضية التي نحن بصددها قضية عمرانية اجتماعية كونية، إن لم تكن كما أرادها الله فسيتزلزل أركان المجتمع كله.وبعد أن شرح لنا الحق مرارة المبالغة في ” كفار ” وفيأثيم ” يأتي لنا بالمقابل حتى ندرك حلاوة هذا المقابل، ومثال ذلك ما يقول الشاعر:

فالـوجه مـثل الصـبح مـبـيضّ   والشـعر مـثل اللـيل مسـودُّ
ضـدّان لمـا اسـتـجـمـعا حَسُنا   والضـد يظـهر حسـنَه الضدُّ

فكأن الله بعد أن تكلم عن الكَفَّار والأثيم يرجعنا لحلاوة الإيمان فيقول{إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة:

اظهار: كَفَّارٍ أَثِيمٍ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 275

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 275

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

سبب نزول الاية:

لما ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات، المخرجين الزكوات، المتفضلين بالبر والصدقات لذوي الحاجات والقرابات، في جميع الأحوال والأوقات، شرع في ذكر أكله الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات، وأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم، فقال{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} ، أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً. وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق، وحكي عن عبد اللّه بن عباس وعكرمة والحسن وقتادة أنهم قالوا في قوله تعالى{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} ، يعني لا يقومون يوم القيامة، وقال ابن جرير عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب، وقرأ{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} وذلك حين يقوم من قبره. وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيّات تجري من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا) “”رواه ابن أبي حاتم وأحمد”” وعن سمرة بن جندب في حديث المنام الطويل: فأتينا على نهر – حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم – وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارة عنده فيفغر له فاه فيلقمه حجراً – وذكر في تفسيره – أنه آكل الربا”” رواه البخاري”” وقوله تعالى{ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل اللّه البيع وحرم الربا} ، أي إنما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام اللّه في شرعه، وليس هذا قياساً منهم للربا على البيع، لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه اللّه في القرآن، ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنما الربا مثل البيع، وإنما قالوا{إنما البيع مثل الربا}أي هو نظيره، فلم حرم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع، أي هذا مثل هذا وقد أحل هذا وحرم هذا وقوله تعالى{وأحل اللّه البيع وحرم الربا} يحتمل أن يكون من تمام الكلام رداً عليهم، أي على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق اللّه عز وجل بين هذا وهذا حكماً، وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحه لهم، وما يضرهم فينهاهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل. ولهذا قال: { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى اللّه} أي من بلغه نهي اللّه عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة، لقوله{عفا اللّه عما سلف} وكما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة: (وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين وأول ربا أضع ربا العباس)، ولم يأمرهم برد الزيادات المأخوذة في حال الجاهلية بل عفا عما سلف كما قال تعالى{فله ما سلف وأمره إلى اللّه} قال سعيد بن جبير والسُّدي{فله ما سلف} ما كان أكل من الربا قبل التحريم، وقال ابن أبي حاتم عن أم يونس العالية بنت أبقع، أن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت لها أم بحنة أم ولد زيد بن أرقم: يا أم المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بعته عبداً إلى العطاء بثمانمائة، فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة، فقالت: بئس ما شَرَيْتِ، وبئس ما اشتريت أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قد بطل إن لم يتب. قالت، فقلت: أرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} ، وهذا الأثر مشهور. وهو دليل لمن حرم مسألة العينة العينة: أن يبيعه شيئاً إلى أجل، ثم يشتريه منه نقداً بأقل مما باعه، وفي هذا شبهة التحايل على أكل الربا نسأله تعالى السلامة مع ما جاء فيها من الأحاديث المذكورة المقررة في كتاب الأحكام وللّه الحمد والمنة. ثم قال تعالى{ومن عاد} أي إلى الربا ففعله بعد بلوغه نهي اللّه عنه فقد استوجب العقوبة وقامت عليه الحجة، ولهذا قال: { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ، وقد قال أبو داود، عن جابر قال: لما نزلت{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من اللّه ورسوله)، ,إنما حرمت المخابرة وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة وهي اشتراء الرطب في رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض و المحاقلة وهي اشتراء الحب في سنبلة في الحقل بالحب على وجه الأرض، إنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها حسماً لمادة الربا، لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف، ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا والوسائل الموصلة إليه، وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب اللّه لكل منهم من العلم، وقد قال تعالى{وفوق كل ذي علم عليم} وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ثلاث وددت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا ، يعني بذلك بعض المسائل التي فيه شائبة الربا، والشريعة شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثله، لأن ما أفضى إلى الحرام حرام، كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ( إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبين ذلك أمور مشتبهات. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه). وفي السنن عن الحسن بن علي رضي اللّه عنهما قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (دع ما يريبك إلى مالا يريبك)، وفي الحديث الآخر: (الإثم ما حاك في القلب، وترددت فيه النفس، وكرهت أن يطلع عليه الناس). وفي رواية: (استفت قلبَك وإن أفتاك الناس وأفتوك). وقال ابن عباس: آخر ما نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آية الربا وعن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال: إني لعلِّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم، وآمركم بأشياء لا تصلح لكم، وإن من آخر القرآن نزولاً آية الربا، وإنه قد مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم “”رواه ابن ماجة وابن مردويه”” وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً). وعن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم(الربا سبعون جزءاً أيسرها أن ينكح الرجل أمه) “”رواه ابن ماجة والحاكم عن ابن مسعود وزاد الحاكم: وإنّ أربى الربا عرض الرجل المسلم”” وقال الإمام أحمد عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا). قال، قيل له: الناس كلهم؟ قال: (من لم يأكله منهم ناله من غباره). ومن هذا القبيل تحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات الحديث الذي روي عن عائشة، قالت: لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الناس ثم حرم التجارة في الخمر قال بعض من تكلم على هذا الحديث من الأئمة: لما حرم الربا ووسائله حرم الخمر وما يفضي إليه من تجارة ونحو ذلك، كما قال عليه الصلاة و السلام في الحديث المتفق عليه: (لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها أجملوه وجملوه أي أذابوه فباعوها وأكلوا أثمانها) وقوله صلى اللّه عليه وسلم : لعن اللّه آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه)، قالوا: وما يُشْهد عليه ويُكْتب، إلا إذا أظهر في صورة عقد شرعي ويكون داخله فاسداً، فالاعتبار بمعناه لا بصورته، لأن الأعمال بالنيات. وفي الصحيح: (إن اللّه لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، وقد صنف الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية كتاباً في إبطال التحليل، تضمن النهي عن تعاطي الوسائل المفضية إلى كل باطل، وقد كفى في ذلك وشفى، فرحمه اللّه ورضي عنه.

ملخص الايات:

-{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ }. ” التخبط ” هو الضرب على غير استواء وهدى، أنت تقول: فلان يتخبط، أي أن حركته غير رتيبة، غير منطقية، حركة ليس لها ضابط، ذلك هو التخبط. فساعة ترى واحداً مصروعاً فاعرف أنه من أصحاب الربا، هذا في الآخرة

-وكانوا يتعللون ويقولون: إن النص القرآني إنما يتكلم عن الربا في الأضعاف المضاعفة، فإذا ما منعنا القيد في الأضعاف المضاعفة لا يكون حراماً ؛ ونرد لا هذا فهم خاطىء لأن الحق جعل التوبة تبدأ من أن يأخذ الإنسان رأس ماله فقط، فلا يسمح الله عز وجل لأحد أن يأخذ نصف الضعف أو الضعف أو الضعفين، ولا يسمح بالأضعاف ولا بالمضاعفات.
وكانوا يتعللون أن اتفاق الطرفين على أي أمر يعتبر تراضياً ويعتبر عقداً. وكل ذلك لا يتأتى ـ أي رضاء الطرفين ـ إلا في الأمور التي ليس فيها تشريع صدر عن المشرع الأعلى، وهو الله الحيّ القيوم.إن الله قد فرض أمراً يقضي على التراضي بيني وبينك؛ لأنه هو المسيطر، وهو الذي حكم في الأمر، فلا تراضي بيننا فيما يخالف ما شرع الله أو حكم فيه

– أمور ثلاثة هي التي تسيطر على الاقتصاد الإسلامي: إما تطوع بصدقة، وإما أداءٌ لمفروض من زكاة، وإما مداينة بالقرض الحسن، وذلك هو ما يمكن أن ينشأ عليه النظام الاقتصادي في الإسلام.

– والربا من السبع الموبقات التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باجتنابها حيث قال: ” اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات “

تتحدث الايات عن:

1-وانظروا إلى كلمة { يَأْكُلُونَ } ، هل كل حاجات الحياة أكل؟ لا، فحاجات الحياة كثيرة، الأكل بعضها، ولكن الأكل أهم شيء فيها؛ لأنه وسيلة استبقاء النفس. و { ٱلرِّبَا } هو الأمر الزائد، وما دام هو الأمر الزائد يعني هو لا يحتاج أن يأكل، فهذا تقريع له. إن الحق يريد أن يبشع هذا الأمر فيقول: لهم سمة. هذه السمة قال العلماء أهي في الآخرة يتميزون بها في المحشر، كما يقول الحق:
  {يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ }     (الرحمن: 41)
فهؤلاء غير المصلين لهم علامة مميزة، وهؤلاء غير المزكين لهم علامة أخرى مميزة بحيث إذا رأيتهم عرفتهم بسيماهم، وأنهم من أي صنف من أصناف العصاة فكأنهم حين يقومون يوم القيامة يقومون مصروعين كالذي يتخبطه ويضربه الشيطان من المس فيصرعه، أو أن ذلك أمر حاصل لهم في الدنيا، ولنبحث هذا الأمر:
{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ }. نريد أن نعرف كلمة ” التخبط ” وكلمة ” الشيطان ” وكلمة ” المس “. ” التخبط ” هو الضرب على غير استواء وهدى، أنت تقول: فلان يتخبط، أي أن حركته غير رتيبة، غير منطقية، حركة ليس لها ضابط، ذلك هو التخبط. و ” الشيطان ” جنس من خلق الله؛ لأن الله قال لنا: إنه خلق الإنس والجن، والجن منهم شياطين، وجن مطلق، والشيطان هو عاصي الجن. ونحن لم نر الشيطان، ولكننا علمنا به بوساطة إعلام الحق الذي آمنا به فقال: أنا لي خلقا مستتر، ولذلك سميته الجن، من الاستتار ومنه المجنون أي المستور عقله، والعاصي من هذا الخلق اسمه ” شيطان “. إذن فإيماننا به لا عن حس، ولكن عن إيمان بغيب أخبرنا به من آمنا به. وحين نجد شيئاً اسمه الإيمان يجب أن نعرف أنه متعلق بشيء غير مُحس؛ لأن المُحس لا يقال لك: آمن به؛ لأنه مشهود لك، فأنا لا أقول: أنا أؤمن بأن المصباح منير الآن، أنا لا أؤمن بأننا مجتمعون في المسجد الآن، لا أقول ذلك لأن هذا واقع مشهود ومُحسّ. إذن فالأمر الإيماني يتعلق بالغيب، مثل الإيمان بوجود الملائكة. فإذا ما كنا قد آمنا بالغيب نجد الحق سبحانه وتعالى يعطي لنا صورة للشيطان، ولكنه حين يعطينا صورة للشيطان أو لرأس الشيطان ا  المميزة له عوذ بالله منة، كما أن رءوسنا نحن هي التي تميزنا يتكلم سبحانه عن شجرة الزقوم فيقول جل شأنه:
{ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } (الصافات: 64-65)
وشجرة الزقوم في الآخرة في النار، إذن فنحن لا نراها، ورءوس الشياطين لا نراها، فكيف يشبه الله ما لم نره بما لم نره، يشبه شيئا مجهولاً بشيء مجهول؟ نقول: نعم، وذلك أمر مقصود للإعجاز القرآني؛ لأن للشيطان صورة متخيلة بشعة، بدليل أنك لو طلبت من رسامي العالم في فن الكاريكاتير، وقلت لهم: ارسموا لنا صورة الشيطان، ولم تعطهم ملامح صورة محددة، فكل منهم يرسم وفق تخيله كياناً غاية في القبح: فهذا يصوره بالقبح من ناحية، وذلك يصوره بالقبح من ناحية أخرى بحيث لو جمعت الرسوم لما اتحد رسم مع رسم.إذن فكل واحد يستبشع صورة يرسمها. وساعة نعطي الجائزة لمن رسم صورة الشيطان أنعطي الجائزة لأجملهم صورة أم لأقبحهم صورة؟ إننا نعطي الجائزة لصاحب أشد الصور قبحا. إذن فصورة الشيطان المتمثلة صورة بشعة قبيحة، ولو جاء على صورة واحدة من القبح لاختلف الناس حول هذه الصورة فلعل هذا يكون قبحا عندك ولا يكون قبحا عن آخر، ولكن حين يُطلق الله أخيلة الناس في تصور القبح، يكون القبح مائلا وواضحا في عمل كل إنسان فتكون الصورة أكمل وأوفى فالأكمل والأوفى أن يكون القبح شائعا فيها جميعا.

ويقول الحق: { ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } الشيطان قلنا: إنه العاصي من الجن، وقلنا: إن ربنا سبحانه وتعالى حكى لنا كثيرا أن الشياطين لهم التصاق واتصال بكثير من الإنس:
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } (الجن: 6)
و{ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } فكأن الشيطان قد مس التكوين الإنساني مساً أفسد استقامة ملكاته، فالتكوين الإنساني له استقامة ملكات مع بعضها البعض؛ فكل حركة لها استقامة، فإذا ما مسّه الشيطان فسد تآزر الملكات، فملكاته النفسية تكون غير مستقيمة وغير منسجمة مع بعضها البعض، فتكون حركته غير رتيبة وغير منطقية.

2-وما المناسبة بين هذه الصورة وبين عملية الربا؟. إن أردنا في الآخرة ميزة، فساعة ترى واحداً مصروعاً فاعرف أنه من أصحاب الربا، هذا في الآخرة، وفي الدنيا تجد أيضاً أن له حركة غير منطقية، هستيرية، كيف؟ انظر إلى العالم الآن، لقد خلق الله العالم على هيئة من التكامل. فهذا إنسان يتمتع بإمكانات ومواهب، وذاك يتمتع بمواهب وإمكانات أخرى، حتى يحتاج صاحب هذه الإمكانات إلى صاحب تلك الإمكانات فيكتمل الكون، ولو أن كل إنسان كان وحدة متكررة لاستغنى الكل عن الكل. ولو أن الأفراد متساوون في المواهب لما احتاج الناس لبعضهم البعض. لكن المواهب تختلف؛ لأنك إن أجدت فنًّا من فنون الحياة فقد أجاد سواك فنونا أخرى أنت محتاج إليها، فإن احتاجوا إليك فيما أَجَدْت، فقد احتجت إليهم فيما أجادوا، وهكذا يتكامل العالم. وكذلك خلق الله الكون: مناطق حارة، ومناطق باردة، ومناطق بها معادن، ومناطق بها زراعة؛ حتى يضطر العالم إلى أن يتكامل، ويضطر العالم إلى أن يتعايش مع بعضه ولذلك يقول الحق في سورة ” الرحمن “:
{ وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ(الرحمن: 10)
{ وَضَعَهَا } لمن؟. { وَٱلأَرْضَ } ، أي أرض، وأي أنام؟. الأرض كل الأرض، والأنام كل الأنام، فإن تحددت بحواجز فسدت. إن منع الإنسان من حرية الانتقال من مكان إلى مكان يفسد حركة الإنسان في الكون، فقد يرغب إنسان في أن ينتقل إلى أرض بكر ليعمرها، فيرفض أهل تلك الأرض، فلو أن الأرض كل الأرض كانت للأنام بحيث إن ضاق العمل في مكان ذهبت إلى مكان آخر، بدون قيود عليك، تلك القيود التي نشأت من السلطات الزمنية التي تحتجز الأماكن لأنفسها، فهذا ما يفسد الكون. فهناك بيئات تشتكي قلة القوت، وبيئات تشتكي قلة الأيدي العاملة لأرض خراب وهي تصلح أن تزرع، فلو أن الأرض كل الأرض للأنام كل الأنام لما حدث عجز.
ونلاحظ ما يُقال: ازدحام السكان أو الانفجار السكاني، بينما توجد أماكن تتطلب خلقاً! ويوجد خلق تتطلب أماكن، فلماذا هذا الاختلال؟ هذا الاختلال ناشئ من أن السلوك البشري غير منطقي في هذا الكون. والكون الذي نعيش فيه، فيه ارتقاءات عقلية شتّى، وطموحات ابتكارية صعدت إلى الكواكب، وتغزو الفضاء، ووُجِدَت في كل بيت آلات الترفيه، أما كان المنطق يقتضي أن يعيش العالم سعيداً مستريحاً؟ كان المنطق يقتضي أن يعيش العالم مستريحاً هادئاً؛ لأنه في كل يوم يبتكر أشياءَ تعطي له أكبر الثمرة بأقل مجهود في أقل زمن، فماذا نريد بعد هذا؟ ولكن هل العالم الذي نعيش فيه منطقي مع هذا الواقع؟ لا، بل نحن نجد أغنى بلاد العالم وأحسنها وفرة اقتصادية هي التي يعاني الناس فيها القلق، وهي التي تمتلئ بالاضطراب، وهي التي ينتشر فيها الشذوذ، وهي التي تشكو من ارتفاع نسبة الجنون بين سكانها.إذن فالعالم ليس منطقياً. وهذا التخبط يؤكد ما يقوله الحق: { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } إنها حركة هستيرية في الكون تدل على أنه كون غير مستريح، كون غير منسجم مع طموحاته وابتكاراته. أما كان على هذا الكون بعقلائه أن يبحثوا عن السبب في هذا، وأن يعرفوا لماذا نشقى كل هذا الشقاء وعندنا هذه الطموحات الابتكارية؟ كان يجب أن يبحثوا، فالمصيبة عامة، لا تعم الدول المتخلفة أو النامية فقط، بل هي أيضاً في الدول المتقدمة، كان يجب أن يعقد المفكرون المؤتمرات ليبحثوا هذه المسألة، فإذا ما كانت المسألة عامة تضم كل البلاد متقدمها ومتأخرها وجب أن نبحث عن سبب مشترك، ولا نبحث عن سبب قد يوجد عند قوم ولا يوجد عن قوم آخرين؛ لأننا لو بحثنا لقلنا: يوجد في هذه البيئة. وكذلك هو موجود في كل البيئات، فلا بد أن يوجد القدر المشترك.فالأرزاق التي توجد في الكون تنقسم إلى قسمين: رزق أنتفع به مباشرة، ورزق هو سبب لما أنتفع به مباشرة.أنا آكل رغيف الخبز، هذا اسمه رزق مباشر، وأشرب كون الماء، وهو رزق مباشر، واكتسي بالثوب وذلك أيضاً رزق مباشر، وأسكن في البيت وهذا رابعاً رزق مباشر، وأنير المصباح رزق مباشر. ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر. فإذا كان عندي جبل من ذهب وأنا جوعان، ماذا أفعل به؟. إذن فرغيف العيش أحسن منه، هذا رزق مباشر، فالنقود أو الذهب أشتري بها هذا وهذا، لكن لا يغنيني عن هذا وهذا.
وقد جاء وقت أصبح الناس يرون فيه أن المال هو كل شيء حتى صار هدفا وتعلق الناس به.. وفي الحق أنّ المال ليس غاية، ولا ينفع أن يكون غاية بل هو وسيلة. فإن فقد وسيلته وأصبح غاية فلا بد أن يفسد الكون؛ فعلة فساد الكون كله في القدر المشترك الذي هو المال، حيث أصبح المال غاية، ولم يعد وسيلة.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطهر حياة الاقتصاد للناس طهارة تضمن حِلّ ما يطعمون، وما يشربون، وما يكتسون، حتى تصدر أعمالهم عن خليات إيمانية طاهرة مصفاة؛ ذلك أن الشيء الذي يصدر عن خلية إيمانية طاهرة مصفاة لا يمكن أن ينشأ عنه إلا الخير.

3ومن العجيب أن نجد القوم الذين صدروا لنا النظام الربوي يحاولون الآن جاهدين أن يتخلصوا منه، لا لأنهم ينظرون إلى هذا التخلص على أنه طهارة دينية، ولكن لأنهم يرون أن كل شرور الحياة ناشئة عن هذا الربا. وليست هذه الصيحة حديثة عهد بنا، فقديما أي من عام ألف وتسعمائة وخمسين قام رجل الاقتصاد العالميشاخت ” في ألمانيا وقد رأى اختلال النظام فيها وفي العالم، فوضع تقريره بأن الفساد كله ناشئ من النظام الربوي، وأن هذا النظام يضمن للغني أن يزيد غنى، وما دام هذا النظام قد ضمن للغني أن يزيد غنى، فمن أين يزداد غنى؟ لاشك أنه يزداد غنى من الفقير. إذن فستئول المسألة إلى أن المال سيصبح في يد أقلية في الكون تتحكم في مصائره كلها ولاسيما المصائر الخلقية. لماذا؟.لأن الذين يحبون أن يستثمروا المال لا ينظرون إلا إلى النفعية المالية، فهم يديرون المشروعات التي تحقق لهم تلك النفعية. وهناك رجل اقتصاد آخر هوكينز ” الذي يتزعم فكرة ” الاقتصاد الحر ” في العالم يقول قولته المشهورة: إن المال لا يؤدي وظيفته في الحياة إلا إذا انخفضت الفائدة إلى درجة الصفر. ومعنى ذلك أنه لا ربا.وإذا ما نظرنا إلى عملية عقد الربا في ذاتها وجدناها عقداً باطلاً؛ لأن كل عقد من العقود إنما يوجد لحماية الطرفين المتعاقدين، وعقد الربا لا يحمي إلا الطرف الدائن فقط، وهناك أمر خلقي آخر وهو أن الإنسان لا يعطي ربا إلا إذا كان عنده فائض زائد على حاجته.ولا يأخذ إنسان من المرابي إلا إذا كان محتاجاً. فانظروا إلى النكسة الخلقية في الكون. إن المعدم الفقير الذي لا يجد ما يسد جوعه وحاجته يضطر إلى الاستدانة، وهذا الفقير المعدم هو الذي يتكفل بأن يعطي الأصل والزائد إلى الغني غير المحتاج.إنها نكسة خلقية توجد في المجتمع ضِغناً، وتوجد في المجتمع حقداً، وتقضي على بقية المعروف وقيمته بين الناس، وتنعدم المودة في المجتمع. فإذا ما رأى إنسان فقيرٌ إنساناً غنياً عنده المال، ويشترط الغني على الفقير المعدم أن يعطيه ما يأخذه وأن يزيد عليه، فعلى أية حال ستكون مشاعر وأحاسيس الفقير؟ كان يكفي الغني أن يعطي الفقير، وأن يسترد الغني بعد ذلك ما أخذه الفقير، ولكن الغني المرابي يطلب من الفقير أن يسدد ما أخذه ويزيد عليه.

4وكانوا يتعللون ويقولون: إن النص القرآني إنما يتكلم عن الربا في الأضعاف المضاعفة، فإذا ما منعنا القيد في الأضعاف المضاعفة لا يكون حراماً!!أي أنهم يريدون تبرير إعطاء الفقير مالاً، وأن يرده أضعافاً فقط لا أضعافاً مضاعفة؛ حتى لا يصير ذلك الاسترداد بالزيادة حراماً. ولهؤلاء نقول: إن الذين يقولون ذلك يحاولون أن يتلصصوا على النص القرآني، وكأن الله قد ترك النص ليتلصصوا عليه ويسرقوا منه ما شاءوا دون أن يضع في النص ما يحول دون هذا التلصص، ولو فطنوا إلى أن الله يقول في آخر الأمر:
{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }   (البقرة: 279)
هذا القول الحاسم يوضح أن الله لم يستثن ضعفاً ولا أضعافاً. إذن فقوله الحق:
{ يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران: 130)
إن هذا القول الحكيم لم يجئ إلا ليبين الواقع الذي كانوا يعيشونه، ولم يستثن الله ضعفاً أو أضعافاً؛ لأن الحق جعل التوبة تبدأ من أن يأخذ الإنسان رأس ماله فقط، فلا يسمح الله لأحد أن يأخذ نصف الضعف أو الضعف أو الضعفين، ولا يسمح بالأضعاف ولا بالمضاعفات.
وكانوا يتعللون أن اتفاق الطرفين على أي أمر يعتبر تراضياً ويعتبر عقداً. وقد يكون ذلك صحيحاً إن لم يكن هناك مشرع أعلى من كل الخلق يسيطر على هذا التراضي. فهل كلما تراضى الطرفان على شيء يصير حلالاً؟ لو كان الأمر كذلك لكان الزنا حلالاً: لأنهما طرفان قد تراضيا. وكل ذلك لا يتأتى ـ أي رضاء الطرفين ـ إلا في الأمور التي ليس فيها تشريع صدر عن المشرع الأعلى، وهو الله الحيّ القيوم.إن الله قد فرض أمراً يقضي على التراضي بيني وبينك؛ لأنه هو المسيطر، وهو الذي حكم في الأمر، فلا تراضي بيننا فيما يخالف ما شرع الله أو حكم فيه.وإذا نظرنا نظرة أخرى فإننا نجد أن التراضي الذي يدعونه مردود عليه. إنه ” تراضٍ ” باطل بالفحص الدقيق والبحث المنطقي. لماذا؟ لأننا نقول إن التراضي إنما ينشأ بين اثنين لا يتعدى أمر ما تراضيا عليه إلى غيرهما، أما إذا كان الأمر قد تعدى من تراضيا عليه إلى غيرهما فالتراضي باطل. فهب أن واحداً لا يملك شيئا، وواحداً آخر يملك ألفا، والذي يملك ألفا هي ملكه، وأدار بها عملا من الأعمال، وحين يدير صاحب الألف عملا فالمطلوب له أجر عمله ليعيش من هذا الأجر. أما الذي لا يملك شيئا إذا ما أراد أن يعمل مثلما عمل صاحب الألف، فذهب إلى إنسان وأخذ منه ألفا ليعمل عملا كعمل صاحب الألف، فيشترط من يعطيه هذه الألف من الأموال أن يزيده مائة حين السداد، فيكون المطلوب من الذي اقترض هذه الألف أجر عمله كصاحب الألف الأول ومطلوب منه أيضا أن يزيد على أجره تلك المائة المطلوبة لمن أقرضه بالربا. فمن أين يأتي من اقترض ألفا بهذه المائة الزائدة؟ إن سلعته لو كانت تساوي سلعة الآخر فإنه يخسر. وإن كانت سلعته أقل من سلعة الآخر فإنها تكسد وتبور.إذن فلا بد له من الاحتيال النكد، وهذا الاحتيال هو أن يخلع على سلعته وصفا شكليا يساوي به سلعة الآخر، ويعمد إلى إنقاص الجواهر الفعالة في صنعة سلعته، فيسحب منها ما يوازي المائة المطلوب سدادها للمرابي. فمن الذي سيدفع ذلك؟ إنه المستهلك. إذن فالمستهلك قد أضير بهذا التراضي؛ فهو الذي سيغرم؛ لأنه هو الذي يدفع أخيراً قيمة قرض الرجل المتاجر بالسلعة وقيمة النسبة الربوية التي حددها المرابي. إذن فالعقد بين المقترض والمرابي ـ حتى في عرفهم ـ عقد باطل رغم أن الاثنين ـ المقترض والمرابي ـ قد اعتبرا هذا العقد تراضيا.

5-إذن فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يشيع في الناس الرحمة والمودة. وأن يشيع في الناس التعاطف. إنه الحق ـ سبحانه ـ صاحب كل النعمة أراد أن يشيع في الناس أن يعرف كل صاحب نعمة في الدنيا أنه يجب عليه أن تكون نعمته متعدية إلى غيره، فإن رآها المحروم علم أنه مستفيد منها، فإذا كان مستفيداً منها فإنه لن ينظر إليها بحقد، ولا أن ينظر إليها بحسد، ولا يتمنى أن تزول لأن أمرها عائد إليه. ولكن إذا كان السائد هو أن يريد صاحب النعمة في الدنيا أن يأخذ بالاستحواذ على كل عائد نعمته، ولا يراعي حق الله في مهمة النعمة، ولا تتعدى هذه النعمة إلى غيره، فالمحروم عندما يرى ذلك يتمنى أن تزول النعمة عن صاحبها وينظر إليها بحسد. ويشيع الحقد ومعه الضغينة، ويجد الفساد فرصة كاملة للشيوع في المجتمع كله. إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يسيطر على الاقتصاد عناصر ثلاثة:
العنصر الأول: الرفد والعطاء الخالص، فيجد الفقير المعدم غنيا يعطيه، لا بقانون الحق المعلوم المفروض في الزكاة، ولكن بقانون الحق غير المعلوم في الصدقة، هذا هو الرفد.العنصر الثاني: يكون بحق الفرض وهو الزكاة. العنصر الثالث: هو بحق القرض وهو المداينة.إذن فأمور ثلاثة هي التي تسيطر على الاقتصاد الإسلامي: إما تطوع بصدقة، وإما أداءٌ لمفروض من زكاة، وإما مداينة بالقرض الحسن، وذلك هو ما يمكن أن ينشأ عليه النظام الاقتصادي في الإسلام.

6-ولننظر إلى قول الحق سبحانه وتعالى حين عرض هذه المسألة وبشّع هيئة الذين يأكلون الربا بأنهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه ويصرعه الشيطان من المس.لماذا؟ لأن الحق قال فيهم: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا } فهل الكلام في البيع، أو الكلام في الربا؟ إن الكلام في الربا. وكان المنطق يقتضي أن يقول: ” الربا كالبيع ” ، فما الذي جعلهم يعكسون الأمر؟إن النص القرآني هنا يوحي إلى التخبط حتى في القضية التي يريدون أن يحتجوا بها. كأنهم قالوا: ما دمت تريد أن تحرم الربا، فالبيع مثل الربا، وعليك تحريم البيع أيضا.وكان القياس أن يقولوا: ” إنما الربا مثل البيع ” ، لكن الحق سبحانه أراد أن يوضح لنا تخبطهم فجاء على لسانهم: إنما البيع مثل الربا فإن كنتم قد حرمتم الربا فحرموا البيع، وإن كنتم قد حللتم البيع فحللوا الربا. إنهم يريدون قياسا إما بالطرد، وإما بالعكس.

7فقال الله القول الفصل الحاسم{ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ } (البقرة: 275)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ” لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله “. إنها موعظة من الله جاءت، الموعظة إن كانت من غير مستفيد منها، فالمنطق أن تُقبل ـ بضم التاء ـ أما الموعظة التي يُشَك فيها، فهي الموعظة التي تعود على الواعظ بشيء ما. فإذا كانت الموعظة قد جاءت ممن لا يستفيد بهذه الموعظة، فهذه حيثية قبولها { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ } ، ولنر كلمة ” ربه ” حينما تأتي هنا فلنفهم منها أن المقصود بها الحق سبحانه الذي تولى تربيتكم، ومتولي التربية خلقا بإيجاد ما يستبقي الحياة، وإيجاد ما يستبقي النوع، ومحافظة على كل شيء بتسخير كل شيء لك أيها الإنسان، فيجب أن تكون أيها الإنسان مهذبا أمام ربك فلا توقع نفسك في اتهام الرب الخالق في شبهة الاستفادة من تلك الموعظة ـ معاذ الله ـ.لماذا؟ لأن الخالق رب، وما دام الخالق رباً فهو المتولي تربيتكم، فإياك أيها الإنسان أن تتأبَّى على عظة المُربّي. { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ } ومعنى ذلك أن الأمر لن يكون بأثر رجعي فلا يؤاخذ بما مضى منه؛ لأنه أخذ قبل نزول التحريم؛ تلك هي الرحمة، لماذا؟ لأنه من الجائز أن يكون المرابي قد رتب حياته ترتيباً على ما كان يناله من ربا قبل التحريم، فإذا كان الأمر كذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يعفو عما قد سلف.وعلى المرابي أن يبدأ حياته في الوعاء الاقتصادي الجديد. تلك هي عظمة التشريع الرباني { فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ } أي أن له ما سبق وما مضى قبل تحريم الربا. وتفيد كلمة { وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ } أن الله سبحانه وتعالى حينما يعفو عما سلف فله طلاقة الحرية في أن يقنن ما شاء، فيجب أن تتعلق دائما باستدامة الفضل من الله. { وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ } إن مثل هذا الإنسان ربما قال: سأنهار اقتصاديا ومركزي سيتزعزع، وسأصبح كذا وكذا. لا. اجعل سندك في الله، ففي الله عوض عن كل فائت، هو سبحانه لا يريد أن يزلزل مراكز الناس، ولكن يريد أن يقول لهم: إنني إن سلبتكم نعمتي فاجعلوا أنفسكم في حضانة المنعم بالنعمة.وما دمت قد جعلت نفسك في حضانة المنعم بالنعمة، إذن فالنعمة لا شيء؛ لأن المنعم عوض عن هذه النعمة،

8-والربا من السبع الموبقات التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باجتنابها حيث قال:اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات

9-{وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ } أي عاد بعد الموعظة ماذا يكون أمره؟ { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. وكان يكفي أن يقول عنهم: إنهم { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } فلعل واحداً يكون مؤمنا وبعد ذلك عاد إلى معصية، فيأخذ حظه من النار. إنما قوله: { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يدل على أنه خرج عن دائرة الإيمان. وافهم السابق جيداً لتفهم التذييل اللاحق؛ لأن هنا أمرين: هنا ربا حرمه الله، وأناس يريدون أن يُحلّلوا الربا عندما قالوا: { إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا } ، فإن عدت إلى الربا حاكما بحرمته فأنت مؤمن عاصٍ تدخل النار.إنما إن عدت إلى ما سلف من المناقشة في التحريم، وقلت: البيع مثل الربا، وناقشت في حرمة الربا وأردت أن تحلله كالبيع فقد خرجت عن دين الإسلام. وحين تخرج عن دين الإسلام فلك الخلود في النار.ومن هنا يجب أن نلفت الذين يقولون بالربا، ونقول لهم: قولوا: إن الربا حرام، ولكننا لا نقدر على أنفسنا حتى نبطله ونتركه، وعليكم أن تجاهدوا أنفسكم على الخروج منه حتى لا تتعرضوا لحرب الله ورسوله. إنهم باعتقادهم أن الربا حرام يكونون عاصين فقط، أما أن يحاولوا تبرير الربا ويحللوه فسيدخلون في دائرة أخرى شر من ذلك، وهي دائرة الكفر والعياذ بالله.وقد عرفنا أن آدم عليه السلام عصى ربه، وأكل من الشجرة، وإبليس عصى ربه، فلما تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، أما إبليس فقد طرده الله، ولماذا طرد الله إبليس وأحل عليه اللعنة؟لأن آدم أقر بالذنب وقال: ” ربنا ظلمنا أنفسنا “. لقد اعترف آدم: حكمك يا رب حكم حق، ولكني ظلمت نفسي. ولكن إبليس عارض في الأمر وقال: { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } ، فكأنه رد الأمر على الآمر.

10-وبعد ذلك حين بين الله الحكم في الربا، وبين أن من انتهى له ما سلف، فماذا عن الذي يعود؟ { وَمَنْ عَادَ } وهي المقابل { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، يريد سبحانه أن يقول: إياكم أن يخدعكم الربا بلفظه، فالألفاظ تخدع البشر؛ لأنكم سميتموه ” ربا ” بالسطحية الناظرة: لأن الربا هو الزيادة، والزكاة تنقص، فالمائة في الربا تكون مائة وعشرة مثلا حسب سعر الفائدة، وفي الزكاة تصبح المائة (97.5)، في الأموال وعروض التجارة، وتختلف عن ذلك في الزروع وغيرها، وفي ظاهر الأمر أن الربا زاد، والزكاة أنقصت، ولكن هذا النقصان وتلك الزيادة هي في اصطلاحاتكم في أعرافكم. والحق سبحانه وتعالى يمحق الزائد، وينمي الناقص؛ فهو سبحانه يقول{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ. }

جزء تعليم القراءة والتلاوة:
ادغام بغنة: مَوْعِظَةٌ مِنْ

ادغام بدون غنة: مِنْ رَبِّهِ
مد صلة صغرى: جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ- رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ- فَلَهُ مَا

مد صلة كبرى: وَأَمْرُهُ إِلَى

مد مقدار اربع حركات: قَالُوا إِنَّمَا- فَأُولَٰئِكَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 274

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 274

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

سبب نزول الاية:

أخبرنا (أبو إبراهيم) إسماعيل بن إبراهيم النَّصْرابَاذي، أخبرنا عمرو بن نجيد، أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدَّثنا هشام بن عمار، حدَّثنا محمد بن شعيب، عن ابن مهدي، عن يزيد بن عبد الله بن عَرِيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
نزلت هذه الآية{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} في أصحاب الخيل، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الشياطين لا تخبل أحداً في بيته فرس عتيق من الخيل.
وهذا قول أبي أمامة وأبي الدَّرْداء ومَكْحُول، والأوْزَاعي، ورَبَاح بن زيد قالوا: هم الذين يربطون الخيل في سبيل الله تعالى، ينفقون عليها بالليل والنهار سراً وعلانية. نزلت فيمن لم يرتبطها خيلاء ولا لِضَمار.

أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد الدِّينوري، حدَّثنا عمر بن محمد بن عبد الله النَّهْرَوَاني، حدَّثنا علي بن محمد بن مهْرَوَية القزويني، حدَّثنا علي بن داود القَنْطَرِيّ، حدَّثنا عبد الله بن صالح، حدَّثني أبو شريح، عن قيس بن الحجاج، عن حَنَش بن عبد الله الصَّنْعَاني، أنه قال: حدث ابن عباس في هذه الآية{ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} قال: في علف الخيل.
ويدل على صحة هذا ما:أخبرنا أبو إسحاق القري، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس، أخبرنا أبو العباس عبد الله بن يعقوب الكِرْمَاني، حدَّثنا محمد بن زكريا الكِرْمَاني، حدَّثنا وكيع، حدَّثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن اسماء بنت يزيد، قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ارتبط فرساً في سبيل الله فأنفق عليه احتساباً، كان شبعه وجوعه وريه وظَمؤُه وبوله ورَوْثُه، في ميزانه يوم القيامة“.
وأخبرنا أبو إسحاق، أخبرنا أبو عمرو الفُرَاتي، أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى، حدَّثنا سعيد بن عثمان الجَزَرِي، حدَّثنا فارس بن عمر، حدَّثنا صالح بن محمد، حدَّثنا سليمان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن يزيد عن مكحول، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المنفق في سبيل الله على فرسه كالباسط كفيه بالصدقة“.
أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الكاتب، أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذَان الرَّازي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدَّثنا ابو سعيد الأشَج، حدَّثنا زيد بن الحُبَاب، أخبرنا رجاء بن أبي سلمة، عن سليمان بن موسى الدمشقي، عن عَجْلان بن سهل الباهلي، قال:

سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: من ارتبط فرساً في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة، كان من { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ} الآية.
قول آخر:
(أخبرنا أبو بكر التميمي، اخبرنا أبو محمد بن حيان، حدَّثنا) محمد بن يحيى بن مالك الضَّبِّي، حدَّثنا محمد بن إسماعيل الجُرْجَاني، حدَّثنا عبد الرزاق، حدَّثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله{ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} قال: نزلت في علي بن أبي طالب، كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحداً، وبالنهار واحداً، وفي السر واحداً، وفي العلانية واحداً.
أخبرنا أحمد بن الحسن الكاتب، حدَّثنا محمد بن أحمد بن شَاذان، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدَّثنا أبو سعيد الأَشَجّ، حدَّثنا يحيى بن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال:
كان لعلي رضي الله عنه أربعة دراهم، فأنفق درهماً بالليل، ودرهماً بالنهار، ودرهماً سراً، ودرهماً علانية؛ فنزلت{ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً }وقال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لم يكن يملك غير أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَلا إنَّ ذلك لك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ملخص الايات:

– أن الإمام عليًّا كرم الله وجهه ورضى عنه كانت عنده أربعة دراهم، فتصدق بواحد نهاراً، وتصدق بواحد ليلا، وتصدق بواحد سراً، وتصدق بواحد علانية، فنزلت الآية في هذا الموقف، إلا أن قول الله: { فَلَهُمْ } يدل على عموم الموضوع لا على خصوص السبب، فكأن الجزاء الذي رتبه سبحانه وتعالى على ذلك شائع على كل من يتأتى منه هذا العمل.

-{ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } لا من أنفسهم، ولا من الحمقى حولهم الذين يحسونهم على عدم الانفاق ويقولون لهم استعدوا للزمن فوراءكم عيالكم

تتحدث الايات عن:

1-إن المسألة في الإنفاق تقتضي أمرين: إما أن تنفق سراً، وإما أن تنفق علانية. والزمن هو الليل والنهار، فحصر الله الزمان والحال في أمرين: الليل والنهار فإياك أن تحجز عطيّةً تريد أن تعطيها وتقول: ” بالنهار أفعل أو في الليل أفعل؛ لأنه أفضل ” وتتعلل بما يعطيك الفسحة في تأخير العطاء، إن الحق يريد أن تتعدى النفقة منك إلى الفقير ليلاً أو نهاراً، ومسألة الليلية والنهارية في الزمن، ومسألة السرية والعلنية في الكيفية لا مدخل لها في إخلاص النية في العطاء{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أقالت الآية: الذين ينفقون أموالهم بالليل أو النهار؟ لا، لقد طلب من كل منا أن يكون إنفاقه ليلاً ونهاراً وقال: ” سراً وعلانية ” فأنفق أنت ليلاً، وأنفق أنت نهارا، وأنفق أنت سراً، وأنفق أنت علانية، فلا تحدد الإنفاق لا بليل ولا بنهار، لا بزمن ولا بكيفية ولا بحال. إن الحق سبحانه استوعب زمن الإنفاق ليلاً ونهارا، واستوعب أيضاً الكيفية التي يكون عليها الإنفاق سراً وعلانية ليشيع الإنفاق في كل زمن بكل هيئة

2- وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى عن هؤلاء: { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } وهذا القول يدل على عموم من يتأتى منه الإنفاق ليلاً أو نهاراً، سراً أو علانية.وإن كان بعض القوم قد قال: إنها قيلت في مناسبة خاصة، وهي أن الإمام عليًّا كرم الله وجهه ورضى عنه كانت عنده أربعة دراهم، فتصدق بواحد نهاراً، وتصدق بواحد ليلا، وتصدق بواحد سراً، وتصدق بواحد علانية، فنزلت الآية في هذا الموقف، إلا أن قول الله: { فَلَهُمْ } يدل على عموم الموضوع لا على خصوص السبب، فكأن الجزاء الذي رتبه سبحانه وتعالى على ذلك شائع على كل من يتأتى منه هذا العمل.

3-وقول الله: { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } هنا نجد أن كلمة ” أجر ” تعطينا لمحة في موقف المؤمن من أداءات الإنفاق كلها؛ لأن الأجر لا يكون إلا عن عمل فيه ثمن لشيء، وفي أجر لعمل. فالذي تستأجره لا يقدم لك شيئا إلا مجهودا، هذا المجهود قد ينشأ عنه مُثْمَنٌ، أَيْ شيء له ثمن، فقول الله{ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } يدل على أن المؤمن يجب أن ينظر إلى كل شيء جاء عن عمل فالله يطلب منه أن ينفق منه. إن الله لا يعطيه ثمن ما أنفق، وإنما يعطيه الله أجر العمل، لماذا؟ لأن المؤمن الذي يضرب في الأرض يخطط بفكره، والفكر مخلوق لله، وينفذ التخطيط الذي خططه بفكره بوساطة طاقاته وأجهزته؛ وطاقاتُه وأجهزته مخلوقة لله، ويتفاعل مع المادة التي يعمل فيها، وكلها مخلوقة لله، فأي شيء يملكه الإنسان في هذا كله؟ لا الفكر الذي يخطط، ولا الطاقة التي تفعل، ولا المادة التي تنفعل؛ فكلها لله.إذن فأنت فقط لك أجر عملك؛ لأنك تُعمل فكرا مخلوقا لله، بطاقة مخلوقة لله، في مادة مخلوقة لله، فإن نتج منها شيء أراد الله أن يأخذه منك لأخيك العاجز الفقير فإنه يعطيك أجر عملك لا ثمن عملك. لكن المساوي لك في الخلق هو الإنسان إن أخذ منك حصيلة عملك فهو يعطيك ثمن ما أخذ منك، فهي من المخلوق المساوي ” ثمن ” ، وهي من الخالق الأعلى أجر؛ لأنك لا تملك شيئا في كل ذلك.

4-وبعد ذلك يقول الحق: { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } والخوف هو الحذر من شيء يأتي، فمن الخائف؟ من المخوف؟ ومن المخوف عليه؟ { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } ممن؟ يجوز أن يكون { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من أنفسهم؛ فقد يخاف الطالب على نفسه من أن يرسب، فالنفس واحدة خائفة ومخوف عليها، إنها خائفة الآن ومخوف عليها بعد الآن. فالتلميذ عندما يخاف أن يرسب، لا يقال: إن الخائف هو عين المخوف؛ لأن هذا في حاله، وهذا في حاله. أو { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من غيرهم، فمن الجائز أن يكون حول كثير من الأغنياء أناس حمقى حين يرون أيدي هؤلاء مبسوطة بالخير للناس فيغمرونهم ليمسكوا مخافة أن يفتقروا كأن يقولوا لهم: ” استعدوا للزمن فوراءكم عيالكم “. لكن أهل الخير لا يستمعون لهؤلاء الحمقى. إذن فـ { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } لا من أنفسهم، ولا من الحمقى حولهم. ويتابع الحق: { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي لا خوف عليهم الآن، ولا حزن عندهم حين يواجهون بحقائق الخير التي ادخرها الله سبحانه وتعالى لهم بل إنهم سيفرحون.

جزء تعليم القراءة والتلاوة:

ادغام بغنة: سِرًّا وَعَلَانِيَةً
اظهار: خَوْفٌ عَلَيْهِمْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 273

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 273

لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ

سبب نزول الاية:

عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :(قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبح الناس يتحدثون: تُصُدِّق على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأتصدقن الليلة بصدقة، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني! لأتصدقن الليلة فخرج فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قُبلت، وأما الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنى، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته) “”أخرجه الشيخان عن أبي هريرة”” وقوله تعالى{للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} يعني المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى اللّه وإلى رسوله صلى الله علية وسلم وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم، و { لا يستطيعون ضرباً في الأرض} يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش. والضرب في الأرض: هو السفر. قال اللّه تعالى{وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ، وقال تعالى{وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل اللّه}. وقوله تعالى{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} أي الجاهل بأمرهم وحالهم، يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ليس المسكين بهذا الطّواف التي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً). وقوله تعالى{تعرفهم بسيماهم}أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم، كما قال تعالى{سيماهم في وجوههم}، وقال{ولتعرفنَّهم في لحن القول} وفي الحديث: (اتقو فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه)، ثم قرأ{إن في ذلك لآيات للمتوسمين }رواه أصحاب السنن. وقوله تعالى { لا يسألون الناس إلحافاً} أي لا يلِّحون في المسألة، ويكلفون الناس مال لا يحتاجون إليه، فإن من سأل وله ما يغنيه عن المسألة فقد ألحف في المسألة. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف. اقرءوا إن شئتم: يعني قوله} لا يسألون الناس إلحافا }رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري وقال الإمام أحمد عن رجل من مزينة، أنه قالت له أمه: ألا تنطلق فتسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما يسأله الناس، فانطلقت أسأله فوجدته قائما يخطب، وهو يقول: (ومن استعف أعفه اللّه، ومن استغنى أغناه اللّه، ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل الناس إلحافاً)، فقلت بيني وبين نفسي لنا ناقة لهي خير من خمس أواق، ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق، فرجعت ولم أسال. وعن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه). قالوا: يا رسول اللّه وما غناه؟ قال: (خمسون درهماً أو حسابها من الذهب) “”رواه أحمد وأصحاب السنن”” وقوله{وما تنفقوا من خير فإن اللّه به عليم} أي لا يخفى عليه شيء منه، وسيُجزى عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.

ملخص الايات:

– ما معنى احصروا اى منعوا والمنع جاء من النفس ذاتها أو منع من وجود فعل الغير، فهم أحصروا في سبيل الله. حُصِرُوا لأن الكافرين يضيقون عليهم منافذ الحياة، أو حَصَرُوا أنفسهم على الجهاد، ولم يحبوا أن يشتغلوا بغيره؛ لأن الإسلام كان لا يزال في حاجة إلى قوم يجاهدون

-{ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ } و ” الضرب ” هو فعل مِن جارحة بشدة على متأثر بهذا الضرب، وما هو الضرب في الأرض؟ إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أن الكفاح في الحياة يجب أن يكون في منتهى القوة، وإنك حين تذهب في الأرض فعليك أن تضربها حرثاً، وتضربها بذراً، لا تأخذ الأمر بهوادة ولين

ولنا العبرة في تلك الواقعة، فقد دق أحدهم الباب على أحد العارفين فخرج ثم دخل وخرج ومعه شيء، فأعطاه الطارق ثم عاد باكياً فقالت له امرأته: ما يبكيك؟. قال: إن فلاناً طرق بابي. قالت: وقد أعطيته فما الذي أبكاك؟. قال: لأني تركته إلى أن يسألني. إن العارف بالله بكى؛ لأنه أحس بمسئولية ما كان يجب عليه أن يعرفه بفراسته، وأن يتعرف على أخبار إخوانه. ولذلك شرع الله اجتماعات الجمعة حتى يتفقد الإنسان كل أخ من إخوانه، ما الذي أقعده: أحاجة أم مرض؟ أحدث أم مصيبة؟ وحتى لا يحوجه إلى أن يذل ويسأل، وحين يفعل ذلك يكون له فطنة الإيمان

تتحدث الايات عن:

1-ساعة أن نسمع ” جاراً ومجروراً ” قد استهلت به آية كريمة فنعلم أن هناك متعلقاً. ما هو الذي للفقراء؟ هو هنا النفقة، أي أن النفقة للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله. وإذا سألنا: ما معنى ” أحصروا ” فإننا نجد أن هناكحَصر ” وهناك ” أحصر ” وكلامهما فيه المنع، إلا أن المنع مرة يأتي بما لا تقدر أنت على دفعه، ومرة يأتي بما تقدر على دفعه. فالذي مرض مثلاً وحُصِرَ على الضرب في الأرض، أكانت له قدرة أن يفعل ذلك؟ لا، ولكن الذي أراد أن يضرب في الأرض فمنعه إنسان مثله فإنه يكون ممنوعاً، إذن فيئول الأمر من الأمرين إلى المنع، فقد يكون المنع من النفس ذاتها أو منع من وجود فعل الغير، فهم أحصروا في سبيل الله. حُصِرُوا لأن الكافرين يضيقون عليهم منافذ الحياة، أو حَصَرُوا أنفسهم على الجهاد، ولم يحبوا أن يشتغلوا بغيره؛ لأن الإسلام كان لا يزال في حاجة إلى قوم يجاهدون. وهؤلاء هم أهل الصُّفة { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ } وعدم استطاعتهم ناشئ من أمر خارج عن إرادتهم أو من أمر كان في نيتهم وهو أن يرابطوا في سبيل الله، هذا من الجائز وذاك من الجائز. وكان الأنصار يأتون بالتمر ويتركونه في سبائطه، ويعلقونه في حبال مشدودة إلى صواري المسجد، وكلما جاع واحد من أهل الصفة أخذ عصاه وضرب سباطة لتمر، فينزل بعض التمر فيأكل، وكان البعض يأتي إلى الرديء من التمر والشيص ويضعه، وهذا هو ما قال الله فيه: { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ}

2-وإذا نظرنا إلى قول الحق: { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ } و ” الضرب ” هو فعل مِن جارحة بشدة على متأثر بهذا الضرب، وما هو الضرب في الأرض؟ إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أن الكفاح في الحياة يجب أن يكون في منتهى القوة، وإنك حين تذهب في الأرض فعليك أن تضربها حرثاً، وتضربها بذراً، لا تأخذ الأمر بهوادة ولين ولذلك يقول الحق:
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ}    (الملك: 15)
إن الأرض مسخرة من الحق سبحانه للإنسان، يسعى فيها، ويضرب فيها ويأكل من رزق الله الناتج منها.

3-وحين يقول الله سبحانه في وصف الذين أحصروا في سبيل الله فلا يستطيعون الضرب في الأرض { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي يظنهم الجاهل بأحوالهم أنهم أغنياء، وسبب هذا الظن هو تركهم للمسألة، وإذا كان التعفف هو ترك المسألة فالله يقول بعدها: { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } والسمة هي العلامة المميزة التي تدل على حال صاحبها، فكأنك ستجد فيهم خشوعاً وانكساراً ورثاثة هيئة وإن لم يسألوا أو يطلبوا، ولكنك تعرفهم من حالتهم التي تستحق الإنفاق عليهم، وإذا كان التعفف هو ترك المسألة فالله يقول بعدها: { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } فكأنه أباح مجرد السؤال ولكنه نهى عن الإلحاحٍ والإلحاف فيه، ولو أنهم سألوا مجرد سؤال بلا إلحاف ولا إلحاح أَمَا كان هذا دليلاً على أنهم ليسوا أغنياء؟ نعم، لكنه قال: { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } إذن فليس هناك سؤال، لا سؤال على إطلاقه، ومن باب أولى لا إلحاف في السؤال؛ بدليل أن الحق يقول: { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } ، ولو أنهم سألوا لكنا قد عرفناهم بسؤالهم، إذن فالآية تدلنا على أن المنفي هو مطلق السؤال، وأما كلمة ” الإلحاف ” فجاءت لمعنى من المعاني التي يقصد إليها أسلوب الإعجازي، ما هو؟ إن ” السيما ” ـ كما قلنا ـ هي العلامة المميزة التي تدل على حال صاحبها، فكأنك ستجد خشوعاً وانكساراً ورثاثة هيئة وإن لم يسألوا أي أنت تعرفهم من حالتهم البائسة، فإذا ما سأل السائل بعد ذلك اعتبر سؤاله إلحاحاً؛ لأن حاله تدل على الحاجة، ومادامت حالته تدل على الحاجة فكان يجب أن يجد من يكفيه السؤال، فإذا ما سأل مجرد سؤاله فكأنه ألحف في المسألة وألح عليها.وأيضا يريد الحق من المؤمن أن تكون له فراسة نافذة في أخيه بحيث يتبين أحواله بالنظرة إليه ولا يدعه يسأل، لأنك لو عرفت بـ ” السيما ” فأنت ذكي، أنت فطن، أنا لو لم تعرف بـ ” السيما ” وتنتظر إلى أن يقول لك ويسألك، إذن فعندك تقصير في فطنة النظر، فهو سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن يكون فطن النظر بحيث يستطيع أن يتفرس في وجه إخوانه المؤمنين ليرى من عليه هم الحاجة ومن عنده خواطر العوز، فإذا ما عرف ذلك يكون عنده فطانة إيمانية.

4-ولنا العبرة في تلك الواقعة، فقد دق أحدهم الباب على أحد العارفين فخرج ثم دخل وخرج ومعه شيء، فأعطاه الطارق ثم عاد باكياً فقالت له امرأته: ما يبكيك؟. قال: إن فلاناً طرق بابي. قالت: وقد أعطيته فما الذي أبكاك؟. قال: لأني تركته إلى أن يسألني. إن العارف بالله بكى؛ لأنه أحس بمسئولية ما كان يجب عليه أن يعرفه بفراسته، وأن يتعرف على أخبار إخوانه. ولذلك شرع الله اجتماعات الجمعة حتى يتفقد الإنسان كل أخ من إخوانه، ما الذي أقعده: أحاجة أم مرض؟ أحدث أم مصيبة؟ وحتى لا يحوجه إلى أن يذل ويسأل، وحين يفعل ذلك يكون له فطنة الإيمان

5-{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } يجب أن تعلم أنه قبل أن تعطي قد علم الله أنك ستعطي، فالأمر محسوب عنده بميزان، ويجيء تصرف خلقه على وفق قدره، وما قدره قديما يلزم حاليا، وهو سبحانه قد قدر؛ لأنه علم أن عبده سيفعل وقد فعل. وكل فعل من الأفعال له زمن يحدث فيه، وله هيئة يحدث عليها. والزمن ليل أو نهار. ثم يقول الحق سبحانه وتعالى مبينا حالات الإنفاق والأزمان التي يحدث فيها وذلك في قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً… }

جزء تعليم القراءة والتلاوة:
ادغام بغنة: إِلْحَافًا ۗ وَمَا
مد صلة صغرى: بِهِ عَلِيمٌ

مد مقدار اربع حركات: لِلْفُقَرَاءِ- أَغْنِيَاءَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 272

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم اية 272

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ

سبب نزول الاية:

قوله تعالى{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدَّثنا عبد الرحمن بن محمد بن مسلم، حدَّثنا سهل بن عثمان العسكري، حدَّثنا جرير، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبَيْر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تَصَدَّقوا إلا على أهل دينكم” فأنزل الله تعالى{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا على أهل الأديان.
أخبرنا أحمد، حدَّثنا عبد الله، حدَّثنا عبد الرحمن، حدَّثنا سهل، حدَّثنا ابن نمير، عن الحجاج، عن سلمان المكي، عن ابن الْحَنَفِيَّة قال:
كان المسلمون يكرهون أن يتصدقوا على فقراء المشركين حتى نزلت هذه الآية، فأمروا أن يتصدقوا عليهم.
وقال الكلبي: اعتمر رسول الله عُمْرَة القضاء، وكانت معه في تلك العمرة أسماء بنت أبي بكر، فجاءتها أمها قُتَيْلة وجدّتها يسألانها، وهما مشركتان، فقالت: لا أعطيكما شيئاً حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنكما لستما على ديني. فاستأمرته في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد نزول هذه الآية، أن تصدَّق عليهما، فأعطتهما ووصلتهما.
قال الكلبي: ولها وجه آخر، وذلك أن ناساً من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار ورضاع في اليهود، وكانوا ينفعونهم قبل أن يسلموا، فلما أسلموا كرهوا أن ينفعوهم وأرادوهم على أن يسلموا، فاستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فأعطوهم بعد نزولها.

ملخص الايات:

-يشرح الشيخ ما سبب نزول الاية؟

الفرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة؟ فالله يهدي المؤمن ويهدي الكافر أي يدلهم، ولكن من آمن به يهديه هداية المعونة، ويهديه هداية التوفيق، ويهديه هداية تخفيف أعمال الطاعة عليه.

-الإنسان يعود إلى الإنسان وعطاء ربنا يعود إلينا.ولذلك قال بعض السلف الذين لهم لمحة إيمانية: ما فعلت لأحد خيراً قط؟ فقيل له: أتقول ذلك وقد فعلت لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا؟ فقال: إنما فعلته لنفسي.فكأنه نظر حينما فعل للغير أنه فعل لنفسه. ولقد قلنا سابقا: إن العارف بالله ” الحسن البصري ” كان إذا دخل عليه من يسأله هشّ في وجهه وبشّ وقال له: مرحباً بمن جاء يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة.إذن فقد نظر إلى أنه يعطيه وإن كان يأخذ منه

-{ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } أي إياكم أن تظنوا أنني أطلب منكم أن تعطوا غيركم، لقد طلبت منكم أن تنفقوا لأزيدكم أنا في النفقة والعطاء

-{ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } ومعنى التوفية: الأداء الكامل. ولا تظنوا أنكم تنفقون على من ينكر معروفكم؛ لأن ما أنفقتم من خير فالله به عليم. إذن فاجعل نفقتك عند من يجحد، ولا تجعل نفقتك عند من يحمد، لأنك بذلك قد أخذت جزاءك ممن يحمدك وليس لدى الله جزاء لك

تتحدث الايات عن:

1-ما أصل هذه المسألة؟ أصل هذه المسألة أن بعض السابقين إلى الإسلام كانت لهم قرابات لم تسلم. وكان هؤلاء الأقرباء من الفقراء وكان المسلمون يحبون أن يعطوا هؤلاء الأقارب الفقراء شيئا من مالهم، ولكنهم تحرجوا أن يفعلوا ذلك فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر. وهاهي ذي أسماء بنت أبي بكر الصديق وأمها ” قُتَيْلَةَ ” كانت مازالت كافرة. وتسأل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعطي من مالها شيئا لأمها حتى تعيش وتقتات. وينزل الحق سبحانه قوله: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} ، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمتْ عليّ أمي وهي راغبة. أفأصل أمّي؟ قال: ” نعم صلي أمّكِ “. ولقد أراد بعض من المؤمنين أن يضيقوا على أقاربهم ممن لم يؤمنوا حتى يؤمنوا، لكن الرحمن الرحيم ينزل القول الكريم: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } إنه الدين المتسامي. دين يريد أن نعول المخلوق في الأرض من عطاء الربوبية وإن كان لا يلتقي معنا في عطاء الألوهية؛ لأن عطاء الألوهية تكليف، وعطاء الربوبية رزق وتربية. والرزق والتربية مطلوبات لكل من كان على الأرض؛ لأننا نعلم أن أحداً في الوجود لم يستدع نفسه في الوجود، وإنما استدعاه خالقه، وما دام الخالق الأكرم هو الذي استدعى العبد مؤمناً أو كافراً، فهو المتكفل برزقه. والرزق شيء، ومنطقة الإيمان بالله شيء آخر، فيقول الحق: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ }
أو أن الآية حينما نزلت في الحثّ على النفقة ربما أن بعض الناس تكاسل، وربما كان بعض المؤمنين يعمدون إلى الرديء من أموالهم فينفقونه.وإذا كان الإسلام قد جاء ليواجه النفس البشرية بكل أغيارها وبكل خواطرها، فليس بعجيب أن يعالجهم من ذلك ويردهم إلى الصواب إن خطرت لهم خاطرة تسيء إلى السلوك الإيماني.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حين ينزل أي أمر أن يلتفت المسلمون إليه لفتة الإقبال بحرارة عليه، فإذا رأى تهاوناً في شيء من ذلك حزن، فيوضح له الله: عليك أن تبلغهم أمر الله في النفقة، وما عليك بعد ذلك أن يطيعوا{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ}


2-ولقائل أن يقول: ما دام الله هو الذي يهدي فيجب أن نترك الناس على ما هم عليه من إيمان أو كفر، وما علينا إلا البلاغ، ونقول لأصحاب هذا الرأي: تنبهوا إلى معطيات القرآن فيما يتعلق بقضية واحدة، هذه القضية التي نحن بصددها هي الهداية، ولنستقرئ الآيات جميعا، فسنجد أن الذين يرون أن الهداية من الله، وأنه ما كان يصح له أن يعذب عاصياً، لهم وجهة نظر، والذين يقولون: إن له سبحانه أن يعذبهم؛ لأنه ترك لهم الخيار لهم وجهة نظر، فما وجهة النظر المختلفة حتى يصير الأمر على قدر سواء من الفهم؟ إن الحق سبحانه وتعالى حينما يتكلم في قرآنه الكلام الموحَى، فهو يطلب منا أن نتدبره، ومعنى أن نتدبره ألا ننظر إلى واجهة النص ولكن يجب أن ننظر إلى خلفية النص{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } يعني لا تنظر إلى الوجه، ولكن انظر ما يواجه الوجه وهو الخلف.

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآن }   (النساء: 82)
فالحق سبحانه وتعالى قد قال:
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } (فصلت: 17)
كيف يكون الله قد هداهم، ثم بعد ذلك يستحبون العمى على الهدى؟ إذن معنى ” هداهم أي دلهم على الخير. وحين دلَّهم على الخير فقد ترك فيهم قوة الترجيح بين البدائل، فلهم أن يختاروا هذا، ولهم أن يختاروا هذا، فلما هداهم الله ودلَّهم استحبوا العمَى على الهدى. والله يقول لرسوله في نصين آخرين في القرآن الكريم:
إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ(القصص: 56)

فنفى عنه أنه يهدي. وأثبت له الحق الهداية في آية أخرى يقول فيها:
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }(الشورى: 52)
فكيف يثبت الله فعلاً واحداً لفاعل واحد ثم ينفي الفعل ذاته عن الفاعل ذاته؟ نقول لهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدل الناس على منهج الله ولكن ليس عليه أن يحملهم على منهج الله؛ لأن ذلك ليس من عمله هو، فإذا قال الله{إِنَّكَ لَتَهْدِيۤ } أي لا تحمل بالقصر والقهر من أحببت، وإنما أنتتهدي ” أي تدل فقط، وعليك البلاغ وعلينا الحساب.

3-إذن فقول الحق: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } ليس فيه حجة على القسرية الإيمانية التي يريد بعض المتحللين أن يدخلوا منها إلى منفذ التحلل النفسي عن منهج الله ونقول لهؤلاء: فيه فرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة، فالله يهدي المؤمن ويهدي الكافر أي يدلهم، ولكن من آمن به يهديه هداية المعونة، ويهديه هداية التوفيق، ويهديه هداية تخفيف أعمال الطاعة عليه.

4-{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُم } تلك قضية تعالج الشُح منطقياً، وكل معطٍ من الخلق عطاؤه عائد إليه هو، ولا يوجد معطٍ عطاؤه لا يعود عليه إلا الله، هو وحده الذي لا يعود عطاؤه لخلقه عليه، لأنه ـ سبحانه ـ أزلا وقديما وقبل أن يخلق الخلق له كل صفات الكمال، فعطاء الإنسان يعود إلى الإنسان وعطاء ربنا يعود إلينا.ولذلك قال بعض السلف الذين لهم لمحة إيمانية: ما فعلت لأحد خيراً قط؟ فقيل له: أتقول ذلك وقد فعلت لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا؟ فقال: إنما فعلته لنفسي.فكأنه نظر حينما فعل للغير أنه فعل لنفسه. ولقد قلنا سابقا: إن العارف بالله ” الحسن البصري ” كان إذا دخل عليه من يسأله هشّ في وجهه وبشّ وقال له: مرحباً بمن جاء يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة.إذن فقد نظر إلى أنه يعطيه وإن كان يأخذ منه.

5-فالحق سبحانه وتعالى يعالج في هذه القضية { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } أي إياكم أن تظنوا أنني أطلب منكم أن تعطوا غيركم، لقد طلبت منكم أن تنفقوا لأزيدكم أنا في النفقة والعطاء

6-ثم يقول: { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } ومعنى التوفية: الأداء الكامل. ولا تظنوا أنكم تنفقون على من ينكر معروفكم؛ لأن ما أنفقتم من خير فالله به عليم. إذن فاجعل نفقتك عند من يجحد، ولا تجعل نفقتك عند من يحمد، لأنك بذلك قد أخذت جزاءك ممن يحمدك وليس لدى الله جزاء لك.كنت أقول دائما للذين يشكون من الناس نكران الجميل ونسيان المعروف: أنتم المستحقون لذلك؛ لأنكم جعلتموهم في بالكم ساعة أنفقتم عليهم، ولو جعلتم الله في بالكم لما حدث ذلك منهم أبداً.

7-{ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ } أهذه الآية تزكية لعمل المؤمنين، أم خبر أريد به الأمر؟ إنها الاثنان معا، فهي تعني أنفقوا ابتغاء وجه الله. { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } أنتم لا تظلمون من الخلق، ولا تظلمون من الخالق، أما من الخلق فقد استبرأتم دينكم وعرضكم حين أديتم بعض حقوق الله في أموالكم، فلن يعتدي أحد عليكم ليقول ما يقول، وأما عند الله فهو سبحانه يوفي الخير أضعاف أضعاف ما أنفقتم فيه.
وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن مصرف من مصارف النفقة كان في صدر الإسلام: { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ }

جزء تعليم القراءة والتلاوة:

ادغام بغنة: مَنْ يَشَاءُ- خَيْرٍ يُوَفَّ

مد مقدار اربع حركات: يَشَاءُ- ابْتِغَاءَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب