تفسير سورة البقرة الاية 209

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم الاية  209:

فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

ملخص الاية:

-الزّلة هي المعصية، وهي مأخوذة من ” زال ” ، وزال الشيء أي خرج عن استقامته

لماذا لم يظهر الإسلام فوق كل العقائد برغم أنكم تقولون: إن الله يقول في كتابه: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ }. ومع ذلك لم يظهر دينكم على كل الأديان، ولم يزل كثير من الناس غير مسلمين سواء كانوا يهودا أو نصارى أو بلا دين؟ قلت: لو فطنتم إلى قول الله: { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } و { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } لدلكم ذلك على أن ظهور الإسلام قد تم مع وجود كفار، وظهوره مع وجود مشركين، وإلا لو ظهر ولا شيء معه فممن يُكرَه؟ إن العقيدة التي يكرهها أهل الكفر هي التي تعزز وجود الإسلام

تتحدث الاية عن:

1-والزّلة هي المعصية، وهي مأخوذة من ” زال ” ، وزال الشيء أي خرج عن استقامته، فكأن كل شيء له استقامة، والخروج عنه يعتبر زللا، والزلل: هو الذنوب والمعاصي التي تُخالف بها المنهج المستقيم.

2-{ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } إنه سبحانه يوضح لنا أنه لا عذر لكم مطلقا في أن تزلوا؛ لأنني بينت لكم كل شيء، ولم أترككم إلى عقولكم، ومن المنطقي أن تستعملوا عقولكم استعمالا صحيحا لتديروا حركة الكون الذي استخلفتكم فيه، ومع ذلك، إن أصابتكم الغفلة فأنا أرسل الرسل. ولذلك قال سبحانه:
{  وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]
لقد رحم الله الخلق بإرسال الرسل ليبينوا للإنسان الطريق الصحيح من الطريق المعوج. والحق سبحانه وتعالى يترك بعض الأشياء للبشر ليأتوا بفكر من عندهم ثم يرتضي الإسلام ما جاءوا به ليعلمنا أن العقل إذا ما كان طبيعيا ومنطقيا فهو قادر على أن يهتدي إلى الحكم بذاته. وفي تاريخ الإسلام نجد أن سيدنا عمر قد رأى أشياء واقترح بعضا من الاقتراحات، ووافق عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ينزل القرآن على وفق ما قاله عمر، وقد يتساءل أحد قائلا: ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أولى؟نقول: لو كانت تلك الآراء قد جاءت من النبي صلى الله عليه وسلم لما كان فيها غرابة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم ويوحي إليه، لكن الله عز وجل يريد أن يقول لنا: أن العقل الفطري عندما يصفو فهو يستطيع أن يهتدي للحكم الصحيح، وإن لم يكن هناك حكم قد نزل من السماء. ولذلك تستفز أحكام سيدنا عمر عدداً كبيراً من المستشرقين ويقولون: أليس عندكم سوى عمر؟ لماذا لا تقولون محمدا؟نقول لهم: لقد تربى عمر في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم، فما يقوله هو، إنما قد أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أقر عمر بذلك وقال: ” ما عمر لولا الإسلام ” ، ونحن نستشهد بعمر لأنه بشر وليس رسولاً، ويسري عليه ما يسري على البشر، فلا يوحى إليه ولم يكن معصوما.إذن كأن الحق أراد أن يُقَرِّب لنا القدرة على الاستنباط والفهم فنكون جميعا عمر؛ لأن عمر بالفطرة كان يهتدي إلى الصواب، ويقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ” نفعل كذا ” ، فينزل الوحي موافقا لرأيه، فكأن الله لم يكلفنا شططا، إنما جاء تكليفه ليحمي العقول من أهواء النفس التي تطمس العقول، فآفة الرأي الهوى، ولولا وجود الأهواء لكانت الآراء كلها متفقة.قديما أعطوا لنا مثلا بالمرأة التي جمعت الصيف والشتاء في ليلة واحدة، فقد زوجت ابنها وابنتها، وعاش الأربعة معها في حجرة واحدة، ابنها معه زوجته، وابنتها معها زوجها، والمرأة معهم، تنام نوما قليلا وتذهب لابنتها توصيها: ” دفئي زوجك وأرضيه ” فالجو بارد، وتذهب لابنها وتقول: ” ابعد عن زوجتك فالدنيا حر “.إن المكان واحد، والليل واحد، لكن المرأة جعلته صيفاً وشتاء في وقت واحد والسبب هو هوى النفس. والله ـ سبحانه ـ يبين لنا ذلك في قوله:

{  وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [المؤمنون: 71]
إذن فالحق سبحانه وتعالى يعصمنا حين يُشَرع لنا، فالبشر يضيقون ذرعا بتقنينات أنفسهم لأنفسهم، فيحاولون أن يخففوا من خطأ التقنين البشري، فيقننوا أشياء يعدلون بها ما عندهم، ولو نظرت إلى ما عدلوه من قوانين لوجدته تعديلا يلتقي مع الإسلام أو يقترب من الإسلام.لقد سألوني في أمريكا: لماذا لم يظهر الإسلام فوق كل العقائد برغم أنكم تقولون: إن الله يقول في كتابه: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ }. ومع ذلك لم يظهر دينكم على كل الأديان، ولم يزل كثير من الناس غير مسلمين سواء كانوا يهودا أو نصارى أو بلا دين؟ قلت: لو فطنتم إلى قول الله: { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } و { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } لدلكم ذلك على أن ظهور الإسلام قد تم مع وجود كفار، وظهوره مع وجود مشركين، وإلا لو ظهر ولا شيء معه فممن يُكرَه؟ إن العقيدة التي يكرهها أهل الكفر هي التي تعزز وجود الإسلام. إذن { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } يدل على أن ظهور الإسلام يعني وجود كافر ووجود مشرك كلاهما سيكون موجودا وسيكرهان انتشار الدين.وعندما نرى أحداث الحياة تضطر البلاد الغربية عندما يجدون خطأ تقنينهم فيحاولون أن يعدلوا في التقنيات فلا يجدون تعديلا إلا أن يذهبوا إلى أحكام الإسلام، لكنهم لم يذهبوا إليه كدين إنما ذهبوا إليه كنظام، إن رجوعهم إلى الإسلام لدليل وتأكيد على صحة وسلامة أحكام الإسلام، لأنهم لو أخذوا تلك الأحكام كأحكام دين لقال غيرهم: قوم تعصبوا لدين آمنوا به فنفذوا أحكامه. ولكنهم برغم كرههم للدين، اضطروا لأن يأخذوا بتعاليمه، فكأنه لا حل عندهم إلا الأخذ بما ذهب إليه الإسلام.إذن قول الله: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } قوة لنظام الإسلام، لا لتؤمن به وإنما تضطر أن تلجأ إليه، وكانوا في إيطاليا ـ على سبيل المثال ـ يعيبون على الإسلام الطلاق ويعتبرونه انتقاما لحقوق المرأة، ولكن ظروف الحياة والمشكلات الأسرية اضطرتهم لإباحة الطلاق، فهل قننوه لأن الإسلام قال به؟ لا، ولكن لأنهم وجدوا أن حل مشكلاتهم لا يأتي إلا منه.وفي أمريكا عندما شنوا حملة شعواء على تناول الخمور، هل حاربوها لأن الإسلام حرمها؟ لا، ولكن لأن واقع الحياة الصحية طلب منهم ذلك. إذن { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } ، { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }: معناهما أنهم سيلجأون إلى نظام الإسلام ليحل قضاياهم. فإن لم يأخذوه كدين فسوف يأخذونه نظاما.

3-{ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي إياكم أن تظنوا أنكم بزللكم أخذتم حظوظ أنفسكم من الله، فإن مرجعكم إلى الله وهو عزيز وعزته سبحانه هي أنه يَغلب ولا يُغلب، فهو يدبر أمورنا برحمة وحكمة. ويقول الحق بعد ذلك: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ… }

احكام:-

اظهار:عَزِيزٌ حَكِيمٌ 

مد متصل:جَاءَتْكُمُ

مد  منفصل:فَاعْلَمُوا أَنَّ

اقلاب:مِنْ بَعْدِ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 208

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم الاية  208:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

أسباب نزول الاية:

قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً} . [208].
[أخبرني أبو نعيم الأصفهاني فيما أذن في روايته عنه: أخبرنا سليمان بن أحمد، حدَّثنا بكر بن سهل، حدَّثنا عبد الغني بن سعيد، عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاتي عن ابن جريج عن عطاء] عن ابن عباس [قال]:
نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قاموا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت، وكرهوا لُحْمانَ الإبل وألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون فقالوا: إنا نَقْوَى على هذا وهذا، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ملخص الاية:

-والسِّلْم والسَّلْمُ والسَّلَم هو الإسلام، فالمادة كلها واحدة؛ لأن السلم ضد الحرب، والإسلام جاء لينهي الحرب بينك وبين الكون الذي تعيش فيه لصالحك ولصالح الكون ولتكون في سلام مع الله وفي سلام مع الكون، وفي سلام مع الناس. وفي سلام مع نفسك.

لا بد أن تأخذ كل أمورك بمقاييس الإسلام، ثم تصرف بما يناسب الإسلام. فإن كنت كذلك فالإسلام يحميك من كل شيء. فالإسلام يساند القوي في الكون ويساند القُوَى في النفس بحيث تعيش في سلام ولا تتعاند

فى فاتحة الكتاب قلنا: إن الله يُعلمنا أن نقول: { إياك نعبد } فكلنا يا رب نعبدك وسنسعد جميعا بذلك، واهدنا كلنا يا رب؛ لأنك إن هديتني وحدي فسيستمتع غيري بهدايتك لي، وأنا سوف أشقى بضلاله.فمن مصلحتنا جميعاً أن نكون مهديين جميعاً.
للأسف فإن كثيراً من حكام البلاد المسلمة لا يأخذون من الإسلام إلا آخر قوله تعالى: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } إنهم يأخذون { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } ويتركون { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ }.

-كيف تعلم اذا كانت المعصية من نفسك او من الشيطان اعوذ بالله منة؟

تتحدث الاية عن:

1-تبدأ الآية بنداء الذين آمنوا بالله وكأنه يقول لهم: يا مَنْ آمنتم بي استمعوا لحديثي. فلم يكلف الله من لم يؤمن به وإنما خاطب الذين أحبوه وآمنوا به، وماداموا قد أحبوا الله عز وجل فلابد أن يتجه كل مؤمن إلى من يحبه؛ لأن الله لن يعطيه إلا ما يسعده.إذن فالتكليف من الله إسعادٌ لمن أحب، { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } ، وكلمة ” في ” تُفيد الظرفية، ومعنى الظرفية أن شيئا يحتوي شيئا، مثال ذلك الكوب الذي يحتوي الماء فنقول: ” الماء في الكوب ” ، وكذلك المسجد يحتوي المصلين فنقول: ” المصلون في المسجد “.والظرفية تدل على إحاطة الظرف بالمظروف، ومادام الظرف قد أحاط بالمظروف إذن فلا جهة يفلت منها المظروف من الظرف. ولذلك يعطينا الحق سبحانه وتعالى صورة التمكن من مسألة الظرفية عندما يقول:
{  وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71]
إن الصلب دائماً يكون على شيء، وتشاء الآية الكريمة أن تشرح لنا كيف يمكن أن يكون الصلب متمكناً من المصلوب. فأنت إذا أردت أن تصلب شيئاً على شيء فأنت تربطه على المصلوب عليه، فإذا ما بالغت في ربطه كأنك أدخلت المصلوب داخل المصلوب عليه.ومثال ذلك، هات عود كبريت وضعه على إصبعك ثم اربطه بخيط ربطا جيداً، ستلاحظ أن العود قد غاص في جلدك. والحق يقول: { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } والسِّلْم والسَّلْمُ والسَّلَم هو الإسلام، فالمادة كلها واحدة؛ لأن السلم ضد الحرب، والإسلام جاء لينهي الحرب بينك وبين الكون الذي تعيش فيه لصالحك ولصالح الكون ولتكون في سلام مع الله وفي سلام مع الكون، وفي سلام مع الناس. وفي سلام مع نفسك.

2-قوله: { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ } معناه حتى يكتنفكم السلم. إن الله هو الإله الخالق للكون ولابد أن تعيشوا في سلام معه؛ لأنكم لا تؤمنون إلا به إلهاً واحداً. فيجب علينا أن نعيش مع الأرض والسماء والكون في سلام؛ لأن الكون الخاضع المقهور المسخر الذي لا يملك أن يخرج عما رُسم له يعمل لخدمتك ولا يعاندك.والإنسان حين يكون طائعاً يُسَرّ به كل شيء في الوجود؛ لأن الوجود طائع ومُسبِّح، فساعة يجد الإنسان مُسبِّحاً مثله يُسَرّ به لأنه في سلام مع الكون. وأنت في سلام مع نفسك؛ لأن لك إرادة، وهذه الإرادة قَهَرَ اللهُ لها كل جوارحك، والذي تريده من أي عضو يفعله لك، لكن هل يرضى أي عضو عمّا تأمره به؟ تلك مسألة أخرى، مثلاً، لسانك ينفعل بإرادتك، فتقول به: ” لا إله إلا الله ” وقال به غيرنا من المشركين غير ذلك، وأشركوا مع الله بشراً وغير بشر يعبدونهم وقال الملحدون بألسنتهم والعياذ بالله: ” لا إله في الكون ” ولم يعص اللسان أحداً من هؤلاء لأنه مقهور لإرادتهم.وتنتهي إرادة الإنسان على لسانه وعلى جميع جوارحه يوم القيامة فيشهد عليه كما تشهد عليه سائر أعضائه: الأرجل، والأيدي، والعيون، والآذان، وكل عضو يقر بما كان يفعل به، لأنه لا سيطرة للإنسان على تلك الأبعاض في هذا اليوم. إنما السيطرة كلها للخالق الأعلى.{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }. والحق حين ينادي المؤمنين بأن يدخلوا في السلم كافة فالمعنى يحتمل أيضا أن الحق سبحانه وتعالى يخاطب المسلمين ألا يأخذوا بعضاً من الدين، ويتركوا البعض الآخر، فيقول لهم: خذوا الإسلام كُله وطبقوه كاملاً؛ لأن الإسلام يمثل بناء له أسس معلومة، وقواعد واضحة، فلا يحاول أحد أن يأخذ شيئاً من حكم بعيداً عن حكم آخر، وإلا لحدث الخلل.وعلى سبيل المثال قد تجد خلافاً بين الزوج والزوجة، وقد يؤدي الخلاف إلى معارك وطلاق، وبعد ذلك نجد من يتهم الإسلام بأنه أعطى الرجل سيفاً مسلطاً على المرأة. ونقول لهم: ولماذا تتهمون الإسلام؟ هل دَخَلْتَ على الزواج بمنطق الإسلام؟. إن كنت قد دخلت على الزواج بمنطق الإسلام فستجد القواعد المنظمة والتي تحفظ للمرأة كرامتها، ولكن هناك مَنْ يدخل على الزواج بغير منطق الإسلام، فلما وقع في الأزمة راح ينادي الإسلام. هل اختار الرجل مَنْ تشاركه حياته بمقياس الدين؟ وهل وضع نُصب عينيه شروط اختيار الزوجة الصالحة التي جاءت في الحديث الشريف:عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك “.
هل فضّل الرجل ذات الدين على سواها؟ أم فضل مقياساً آخر؟. وعندما جاء رجل ليخطب ابنة من أبيها هل وضع الأب مقاييس الإسلام في الاعتبار عند موافقته على هذا الزواج؟ هل فضلتم مَنْ ترضون دينه وخلُقُه؟ أم تركتم تلك القواعد. أنت تركت قواعد الإسلام فلماذا تلوم الإسلام عند سوء النتائج والعواقب؟.إنك إن أردت أن تحاسب فلا بد أن تأخذ كل أمورك بمقاييس الإسلام، ثم تصرف بما يناسب الإسلام. فإن كنت كذلك فالإسلام يحميك من كل شيء. فالإسلام يساند القوي في الكون ويساند القُوَى في النفس بحيث تعيش في سلام ولا تتعاند؛ لأن كل ذلك يقابله الحرب. والحرب إنما تنشأ من تعاند القوي، فتتعاند قوى نفسك في حرب مع نفسك، وتتعاند قوى البشر في حرب مع البشر، وتتعاند قواك مع قوى الكون الأخرى، فأنت تعاند الطبيعة وتعاند مع الحق سبحانه وتعالى.إذن فالتعاند ينشأ منه الحرب، والحرب لا تنشأ إلا إذا اختلفت الأهواء. وأهواء البشر لا يمكن أن تلتقي إلا عندما تكون محروسة بقيم مَنْ لا هوى له، ولذلك يقول الله عز وجل:

{  وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [المؤمنون: 71]
لماذا؟. دعك من الكون الأصم حولك، أو دعك من الكون الذي لا اختيار له في أن يفعل أو ينفعل لك؛ فهو فاعل أو منفعل لك بدون اختيار منه، ولكن انظر إلى البشر من جنسك، فما الذي يجعل هوى إنسان يسيطر على أهواء غيره؟.ما الذي زاده ذلك الإنسان حتى تكون أنت تابعاً له؟ أو يكون تابعاً لك؟. وفي قانون التبعية لا يمكن إلا أن يكون التابع مؤمناً بأن المتبوع أعلى منه، ولا يمكن لبشر أن توجد عنده هذه الفوقية أبداً. لذلك لابد للبشر جميعاً أن يكونوا تبعاً لقوة آمنوا بأنها فوقهم جميعاً. فحين نؤمن ندخل في السلم، ولا يوجد تعاند بين أي قوى وقوة أخرى؛ لأني لست خاضعاً لك، وأنت لست خاضعاً لي، وأنا وأنت مسلمون لقوة أعلى مني ومنك، ويشترط في القوة التي نتبعها طائعين ألا يكون لها مصلحة فيما تشرع.إن المشرعين من البشر يراعون مصالحهم حين يشرعون، فمشرع الشيوعية يضع تشريعه ضد الرأسمالية، ومشرع الرأسمالية يضع تشريعه ضد الشيوعية، لكن عندما يكون المشرع غير منتفع بما يشرع، فهذا هو تشريع الحق سبحانه وتعالى.وحين ندخل في الإسلام ندخل جميعاً لا يشذ منا أحد، ذلك معنى { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } ، هذا معنى وارد، وهناك معنى آخر وارد أيضا وهو ادخلوا في السلم أي الإسلام بجميع تكاليفه بحيث لا تتركوا تكليفاً يشذ منكم.وحين يأتي المعنى الأول فلأننا لو لم ندخل في السلم جميعاً لشقي الذين يُسلمون بالذين لا يُسلمون؛ لأن الذي يُسلم سيهذب سلوكه بالنسبة للآخرين، ويكون نفع المسلم لسواه، ويشقى المسلم بعد إسلام من لم يسلم، فمن مصلحتنا جميعاً أن نكون جميعاً مسلمين. والذين لا يدركون هذه الحقيقة يفسرون قول الله تعالى:

{  لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [المائدة: 105]
على غير ظاهرها، فمن ضِمْن هدايتكم أن تُبَصّروُا من لم يؤمن بأن يؤمن؛ لأن مصلحتكم أن تسلموا جميعاً، فإذا أسلمت أنت فسيعود إسلامك على الغير؛ لأن سلوكك سيصبح مستقيماً مهذباً، والذي لم يسلم سيصبح سلوكه غير مستقيم وغير مهذب، وستشقى أنت به. إذن فمن مصلحتك أن تقضي وقتاً طويلاً وتتحمل عناء كبيراً في أن تدعو غيرك ليدخل في الإسلام. وإياك أن تقول: إن ذلك يضيع عليك فرص الحياة. لا إنه يضمن لك فرص الحياة، ولن يضيع وقتك لأنك ستحمي نفسك من شرور غير المسلم.وأذكر جيداً أننا حين تكلمنا في فاتحة الكتاب قلنا: إن الله يُعلمنا أن نقول: { إياك نعبد } فكلنا يا رب نعبدك وسنسعد جميعا بذلك، واهدنا كلنا يا رب؛ لأنك إن هديتني وحدي فسيستمتع غيري بهدايتك لي، وأنا سوف أشقى بضلاله.فمن مصلحتنا جميعاً أن نكون مهديين جميعاً.هذا على معنى { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } أي جميعاً. أما معنى قوله تعالى: { لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } أي لا تتحملون أوزار ضلالهم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر. أما المعنى الثاني فادخلوا في الإسلام بحيث لا يشذ منكم أحد. ويأخذ شيئا وبعضا من الإسلام ويترك بعضا منه، فأنت تريد أن تبني حياتك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم شرح أن للإسلام أسساً هي الأركان الخمسة، وإياك أن تأخذ ثلاثة أركان وتترك ركنين؛ لأن هندسة الإسلام مبنية على خمسة أركان.وقد قال لي أحد المهندسين: إننا نستطيع أن ننشئ بنياناً على ثلاثة أركان أو على أربعة أو على خمسة. فقلت له: ولكن حين تجعل البنيان على أربعة أركان، وتوزيع الأحمال والأثقال على أربعة أسس، هل يمكنك حين تُنشئ أن تجعلها ثلاثة أركان فقط؟. قال: لا.قلت: إذن فالبناء إنما ينشأ من البداية على الأسس التي تريدها، ولذلك فأنت توزع القوى على ثلاثة أو أربعة أو خمسة من البداية. والله سبحانه وتعالى شاء أن يجعل أسس الإسلام خمسة، وبعد ذلك يُبْنَى الإسلام، وحين يبنى الإسلام فإياك أن تأخذ لبنة من الإسلام دون لبنة، بل يُؤخذ الإسلام كله، فالضرر الواقع في العالم الإسلامي إنما هو ناتج من التلفيقات التي تحدث في العالم المسلم. تلك التلفيقات التي تحاول أن تأخذ بعضاً من الإسلام وتترك بعضا، وهذا هو السبب في التعب والضرر؛ لأن الإسلام لابد أن يؤخذ كله مرة واحدة. إذن { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } يعني إياكم أن تتركوا حكماً من الأحكام. إن الذي يتعب المنتسبين إلى الدين الآن أننا نريد أن نلفق حياة إسلامية في بلاد تأخذ قوانينها من بلاد غير إسلامية.إذن حتى ننجح في حياتنا، فلابد أن نأخذ الإسلام كله. وللأسف فإن كثيراً من حكام البلاد المسلمة لا يأخذون من الإسلام إلا آخر قوله تعالى: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } إنهم يأخذون { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } ويتركون { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ }.وأقوال: لماذا تأخذون الأخيرة وتتركون ما قبلها؟ إن الله لم يجعل لولي الأمر طاعة مستقلة بل قال: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } ليدل على أن طاعة ولي الأمر من باطن طاعة الله وطاعة الرسول. فنحن لا نريد تلفيقاً في الإسلام، خذوه كاملاً، تستريحوا أنتم ونستريح نحن معكم.

3-إن الحق سبحانه وتعالى يريد بدعوتنا إلى دخول الإسلام أن يعصم الناس من فتنة اختلاف أهوائهم فخفف ورفع عن خلقه ما يمكن أن يختلفوا فيه، وتركهم أحراراً في أن يزاولوا مهمة استنباط أسرار الله في وجوده بالعلم التجريبي كما يحبون، فإن أرادوا رقياً فليُعْمِلُوا عقولهم المخلوقة لله؛ في الكون المخلوق لله، بالطاقة المخلوقة لله؛ ليسعدوا أنفسهم ويدفعوها إلى الرقي، وإن انتهى أحد منهم إلى قضية كونية، واكتشف سراً من الأسرار في الكون فهو لن يقدم للناس جديداً في المنهج، وسيأخذ الناس هذا الجديد ولا يعارضونه.إذن فمن الممكن أن يستنبط العلماء بعضاً من أسرار قضايا الكون المادية بوساطة العلم التجريبي، وهي أمور سيتفق عليها الناس، ولكن البشر يمكن أن يختلفوا في الأمور النابعة من أهوائهم؛ لأن لكل واحد هوى، وكل واحد يريد أن يتبع هواه ولا يتبع هوى الآخرين، والحق سبحانه يريد أن يعصمنا من الأهواء لذلك قال لنا: { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً } أي ادخلوا في كل صور الإسلام، حتى لا يأتي تناقض الأهواء في المجتمع.وكن أيها المؤمن في سلم مع نفسك فلا يتناقض لسانك مع ما في قلبك، فلا تكن مؤمن اللسان كافر القلب. كن منسجماً مع نفسك حتى لا تعاني من صراع الملكات. وأيضاً كن داخلاً في السلام مع الكون الذي تعيش فيه، مع السماء، مع الأرض، مع الحيوان، مع النبات. كن في سلم مع كل تلك المخلوقات لأنها مخلوقة مسخرة طائعة لله، فلا تشذ أنت لتغضبها وتُحْفِظها عليك.كن منسجماً مع الزمن أيضاً، لأن الزمن الذي يحدث فيه منك ما يخالف منهج الله سيلعنك هو والمكان، وإذا أردت أن تشيع سلامك في الكون فعليك كما علمك الرسول صلى الله عليه وسلم أن تسالم كل الكون، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشيع السلام في الزمان والمكان، وعلى سبيل المثال كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس صياماً في شعبان، ولما سأله الصحابة عن هذا أخبرهم أن شعبان شهر يهمله الناس لأنه بين رجب، ـ وهو من الأشهر الحرم الأربعة ـ وبين رمضان، فأحب أن يحيى ذلك الشهر الذي يغفل عنه الناس، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يسعد الزمان بأن يشيع فيه لونا من العبادة فلا يجعله أقل من الأزمنة الأخرى.كذلك الأمكنة تريد أن تسعد بك، فكل الأماكن تسعد بذكر الله فيها.

4-والحق ـ سبحانه ـ بعد أن أمرنا جميعاً بالدخول في السلم بافعل ولا تفعل، حذرنا من اتباع الشيطان لأنه هو الذي يعمل على إبعادنا عن منهج الله فقال جل شأنه: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [البقرة: 208]ولماذا لا نتبع خطوات الشيطان؟ لأن عداوته للإنسان عداوة مسبقة، وقف من آدم هذا الموقف، وبعد ذلك أقسم بعزة الله أن يغويكم جميعاً، وإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد حكى لنا القصة فكأنه أعطانا المناعة، أي أن الشيطان لم يفاجئنا. وإنما وضع الحق أمامنا قصة الشيطان مع آدم واضحة جلية ليعطينا المناعة، بدليل أننا حين نريد أن نصون أجسامنا نجعل لأنفسنا مناعة قبل أن يأتي المرض، نُطعم أنفسنا ضد شلل الأطفال، وضد الكوليرا، وضد كذا، وكذا، فكأن الله سبحانه وتعالى يذكر قصة الشيطان  اعوذ بالله منة مع أبينا آدم ليقول لنا: لاحظوا أن عداوته مسبقة.وما دام له معكم عداوة مسبقة فلن يأخذكم على غرة؛ لأن الله نبهكم لتلك المسألة مع الخلق الأول. والشيطان عندما يُذكر في القرآن يراد به مرة عاصي الجن، لأن طائع الجن مثل طائع البشر تماماً، ومرة يريد به شياطين الإنس. إذن من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين.وحتى تستطيع أن تفرق بين ما يزينه الشيطان وبين ما تزينه لك نفسك، فإن رأيت نفسك مصراً على معصية من لون واحد فاعلم أن السبب هو نفسك، لأن النفس تريدك عاصياً من لون يشبع نقصاً فيها فهي تصر عليه: إنسان يحب المال فتتسلط عليه نفسه من جهة المال، واخر يحب الفخر والمديح فتتسلط عليه نفسه من جهة مَنْ ينافقه. لكن الشيطان لا يصر على معصية بعينها، فإن رآك قد امتنعت عن معصية فهو يزين لك معصية أخرى؛ لأنه يريدك عاصياً على أية جهة.والحق يحذرنا { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }. وليس هناك عداوة أوضح من عداوة الشيطان بعد أن وقف من آدم وقال ما أورده الحق على لسانه:
{  قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 82-83]

احكام:-

ادغام بغنة:كَافَّةً وَلَا-عَدُوٌّ مُبِينٌ

مد منفصل:يَا أَيُّهَا

مد كلمى مثقل:كَافَّةً

مد صلة صغرى:إِنَّهُ لَكُمْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 207

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم الاية  207:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ

أسباب نزول الاية:

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ} الآية. [207].
قال سعيد بن المسيب: أقبل ضُهَيْب مهاجراً نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش من المشركين، فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أَرْمَاكم رجلاً، وأيم الله لا تَصِلُون إليَّ حتى أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، فقالوا: دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلّي عنك، وعَاهَدُوه إنْ دلهم أن يَدَعُوه، ففعل. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبا يحيى ربح البيع، ربح البيع، وأنزل الله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ} .
وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيباً فَعذبوه، فقال لهم صهيب إني شيخ كبير لا يضركم أَمِنْكُمْ كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتَذَرُوني وديني؟ ففعلوا ذلك، وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر في رجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى، فقال صهيب: وبيعك فلا يَخسر ما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليه هذه الآية.
وقال الحسن: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية في أن المسلم يلقى الكافر فيقول له: قل لا إله إلاّ الله، فإذا قلتها عصمت مالك ودماك، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله، فتقدم فقاتل حتى قتل.
وقيل: نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.
قال أبو الخليل: سمع عمر بن الخطاب إنساناً يقرأ هذه الآية فقال عمر: إنا لله قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.

ملخص الاية:

-قصة صهيب الرومى-قصة بليع الأرض خبيب بن عدى

إن ذهبت بسبب نزول الآية إلى أبي يحيى صهيب بن سنان الرومي تكون ” شرى ” بمعنى اشترى، وإن ذهبت بسبب النزول إلى خبيب فتكون بمعنى: باع.

تتحدث الاية عن:

1-والله سبحانه وتعالى ساعة يستعمل كلمة ” يشري ” يجب أن نلاحظ أنها من الأفعال التي تستخدم في الشيء ومقابله، فـ ” شرى ” يعني أيضا ” باع “. إذن، كلمة ” شرى ” لها معنيان، واقرأ إن شئت في سورة يوسف قوله تعالى:
{  وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20]
أي باعوه بثمن رخيص. وتأتي أيضا بمعنى اشترى، فالشاعر العربي القديم عنترة ابن شداد يقول:

فخاض غمارها وشرى وباعا     .

إذن ” شرى ” لغة، تُستعمل في معنيين: إما أن تكون بمعنى ” باع ” ، وإما أن تكون بمعنى ” اشترى ” ، والسياق والقرينة هما اللذان يحددان المعنى المقصود منهم فقول عنترة: ” شرى وباع ” نفهم أن المقصود من ” شري ” هنا هو ” اشترى ” ، لأنها مقابل ” باع ” ، وقوله تعالى:
{  وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20]
يوضحه سياق الآية بأنهم باعوه. وهذا من عظمة اللغة العربية، إنها لغة تريد أناساً يستقبلون اللفظ بعقل، ويجعلون السياق يتحكم في فهمهم للمعاني.{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ } ونفهم ” يشري ” هنا بمعنى يبيع نفسه، والذي يبيع نفسه هو الذي يفقدها بمقابل. والإنسان عندما يفقد نفسه فهو يضحي بها، وعندما تكون التضحية ابتغاء مرضاة الله فهي الشهادة في سبيله عز وجل، كأنه باع نفسه وأخذ مقابلها مرضاة الله. ومثل ذلك قوله تعالى:

{  إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ } [التوبة: 111]
إن الحق يعطيهم الجنة مقابل أنفسهم وأموالهم. إذن فقوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } يعني باع نفسه وأخذ الجنة مقابلاً لها، هذا إذا كان معنى ” يشري ” هو باع.وماذا يكون المعنى إذا كانت بمعنى اشترى؟ هنا نفهم أنه اشترى نفسه بمعنى أنه ضحى بكل شيء في سبيل أن تسلم نفسه الإيمانية. ومن العجب أن هذه الآية قيل في سبب نزولها ما يؤكد أنها تحتمل المعنيين، معنى ” باع ” ومعنى ” اشترى ” فها هو ذا أبو يحيى الذي هو صهيب بن سنان الرومي كان في مكة، وقد كبر سنه، وأسلم وأراد أن يهاجر، فقال له الكفار: لقد جئت مكة فقيراً وآويناك إلى جوارنا وأنت الآن ذو مال كثير، وتريد أن تهاجر بمالك.
فقال لهم: أإذا خليت بينكم وبين مالي أأنتم تاركوني؟
فقالوا: نعم.
قال: تضمنون لي راحلة ونفقة إلى أن أذهب إلى المدينة؟
قالوا: لك هذا.
إنه قد شرى نفسه بهذا السلوك واستبقاها إيمانياً بثروته، فلما ذهب إلى المدينة لقيه أبو بكر وعمر فقالا له: ربح البيع يا أبا يحيى.
قال: وأربح الله كل تجارتكم.
وقال له سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن جبريل أخبره بقصتك، ويروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ربح البيع أبا يحيى.إذن معنى الآية وفق هذه القصة: أنه اشترى نفسه بماله، وسياق الآية يتفق مع المعنى نفسه. وهذه من فوائد الأداء القرآني حيث اللفظ الواحد يخدم معنيين متقابلين.
ولكن إذا كان المعنى أنه باعها فلذلك قصة أخرى، ففي غزوة بدر، وهي أول غزوة في الإسلام، وكان صناديد قريش قد جمعوا أنفسهم لمحاربة المسلمين في هذه الغزوة، وتمكن المسلمون من قتل بعض هؤلاء الصناديد، وأسروا منهم كثيرين أيضا، وكان مِمَّنْ قتلوا في هذه الغزوة واحد من صناديد قريش هو أبو عقبة الحارث بن عامر والذي قتله هو صحابي اسمه خبيب بن عدي الأنصاري الأوسي، وهو من قبيل الأوس بالمدينة، وبعد ذلك مكر بعض الكفار فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، إننا قد أسلمنا، ونريد أن ترسل إلينا قوما ليعلمونا الإسلام. فأرسل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه ليعلموهم القرآن، فغدر الكافرون بهؤلاء العشرة فقتلوهم إلا خبيب بن عدي، استطاع أن يفر بحياته ومعه صحابي آخر اسمه زيد بن الدَّثِنّة، لكن خبيباً وقع في الأسر وعرف الذين أسروه أنه هو الذي قتل أبا عقبة الحارث في غزوة بدر، فباعوه لابن أبي عقبة ليقتله مقابل أبيه، فلم يشأ أن يقتله وإنما صلبه حياً، فلما تركه مصلوباً على الخشبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة: من ينزل خبيبا عن خشبته وله الجنة؟
قال الزبير: أنا يا رسول الله.
وقال المقداد: وأنا معه يا رسول الله.
فذهبا إلى مكة فوجدا خبيباً على الخشبة وقد مات وحوله أربعون من قريش يحرسونه، فانتهزا منهم غفلتهم وذهبا إلى الخشبة وانتزعا خبيباً وأخذاه، فلما أفاق القوم لم يجدوا خبيباً فقاموا يتتبعون الأثر ليلحقوا بمن خطفوه، فرآهم الزبير، فألقى خبيباً على الأرض، ثم نظر إليه فإذا بالأرض تبتلعه فسمى بليع الأرض. وبعد ذلك التفت إليهم ونزع عمامته التي كان يتخفى وراءها وقال: أنا الزبير بن العوام، أمي صفية بنت عبد المطلب، وصاحبي المقداد، فإن شئتم فاضلتكم ـ يعني يفاخر كل منا بنفسه ـ وإن شئتم نازلتكم ـ يعني قاتلتكم ـ وإن شئتم فانصرفوا، فقالوا: ننصرف، وانصرفوا، فلما ذهب الزبير والمقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرهم بالجنة التي صار إليها خبيب.
إذن فقد باع خبيب نفسه بالجنة. وعلى ذلك فإن ذهبت بسبب نزول الآية إلى أبي يحيى صهيب بن سنان الرومي تكون ” شرى ” بمعنى اشترى، وإن ذهبت بسبب النزول إلى خبيب فتكون بمعنى: باع.وهكذا نجد أن اللفظ الواحد في القرآن الكريم يحتمل أكثر من واقع.وخبيب بن عدي هذا قالت فيه ماويّة ابنة الرجل الذي اشتراه ليعطيه لعقبة ليقتله مقابل أبيه، قالت: والله لقد رأيت خبيباً يأكل قطفا من العنب كرأس الإنسان! ووالله ما في مكة حائط ـ بستان ـ ولا عنب وإنما هو رزق ساقه الله له. ولما جاءوا ليقتلوه قال: أنظروني أصلِّ ركعتين. فصلى ركعتين ونظر إلى القوم وقال: والله لولا أني أخاف أن تقولوا إنه زاد في الصلاة لكي نبطئ بقتله لزدت. وقال قبل أن يقتلوه: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً. ثم هتف وقال:

ولسـت أبالـي حـين أقـتل مسـلماً     عـلى أي جـنـب كـان فـي الله مصـرعـي

وكان ذلك آخر ما قاله.

2-ويقول الحق: { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } وما العلاقة بين ما سبق وبين رءوف بالعباد؟ مادام الله رءوفاً بالعباد فلم يشأ الله أن يجعل ذلك أمراً كلياً في كل مسلم، وإنما جعلها فلتات لتثبت صدق القضية الإيمانية، لأنه لا يريد أن يضحي كل المسلمين بأنفسهم، وإنما يريد أن يستبقي منا أناساً يحملون الدعوة.

احكام:-

اقلاب:رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ

ادغام بغنة:مَنْ يَشْرِي

مد متصل:ابْتِغَاءَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 206

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم الاية  206:

وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ

ملخص الاية:

ما الفرق بين العزة بالحق وبين العزة بالإثم؟ العزة بالإثم التي إن غلبت تطغى، إنما العزة بالحق إن غلبت تتواضع.

تتحدث الاية عن:

1-ولا يقال له اتق الله إلا إذا كان قد عرف أنه منافق، وماداموا قد قالوا له ذلك فهذا دليل على أن فطنتهم لم يجز عليها هذا النفاق. ونفهم من هذه الآية أن المؤمن كَيِّس فطن، ولابد أن ينظر إلى الأشياء بمعيار اليقظة العقلية، ولا يدع نفسه لمجرد الصفاء الرباني ليعطيه القضية، بل يريد الله أن يكون لكل مؤمن ذاتية وكياسة.{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } فكأن المظهر الذي يقول أو يفعل به، وينافي التقوى؛ لأنه قول معجب لا ينسجم مع باطن غير معجب، صحيح أنه يصلي في الصف الأول، ويتحمس لقضايا الدين، ويقول القول الجميل الذي يعجب النبي صلى الله عليه وسلم ويعجب المؤمنين، لكنه سلوك وقول صادر عن نية فاسدة. ومعنى ” اتق الله ” أي ليكن ظاهرك موافقاً لباطنك، فلا يكفي أن تقول قولاً يُعجب، ولا يكفي أن تفعل فعلاً يروق الغير؛ لأن الله يحب أن يكون القول منسجماً مع الفعل، وأن يكون فعل الجوارح منسجماً مع نيات القلب.إذن، فالمؤمن لابد وأن تكون عنده فطنة، وذكاء، وألْمعِيَّة، ويرى تصرفات المقابل، فلا يأخذ بظاهر الأمر. ولا بمعسول القول ولا بالفعل، إن لم يصادف فيه انسجام فعل مع انسجام نية. ولا يكتفي بأن يعرف ذلك وإنما لابد أن يقول للمنافق حقيقة ما يراه حتى يقصر على المنافق أمد النفاق، لأنه عندما يقول له: ” اتق الله ” يفهم المنافق أن نفاقه قد انكشف، ولعله بعد ذلك يرتدع عن النفاق، وفي ذلك رحمة من المؤمن بالمنافق. وكل مَنْ يرى ويلمح بذكائه نفاقاً من أحد هنا يقول له: ” اتق الله ” فالمراد أن يفضح نفاقه ويقول له: ” اتق الله “. فإذا قال له واحد: ” اتق الله ” وقال له آخر: ” اتق الله ” ، وثالث، ورابع، فسيعرف تماما أن نفاقه قد انكشف، ولم يعد كلامه يعجب الناس.

2-{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } ، وتقييد العزة بالإثم هنا يفيد أن العزة قد تكون بغير إثم، ومادام الله قد قال: { أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } ، فهناك إذن عزة بغير إثم. نعم، لأن العزة مطلوبة للمؤمن والله عز وجل حكم بالعزة لنفسه وللرسول وللمؤمنين:
{  ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [المنافقون: 8]
وهذه عزة بالحق وليست بالإثم. وما الفرق بين العزة بالحق وبين العزة بالإثم؟ ولنستعرض القرآن الكريم لنعرف الفرق. ألم يقل سحرة فرعون: فيما حكاه الله عنهم:

{  بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } [الشعراء: 44]
هذه عزة بالإثم والكذب. وكذلك قوله تعالى:

{  بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ص: 2]
وهي عزة كاذبة أيضا أما قوله عز وجل:

{  سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 180]
فتلك هي العزة الحقيقة، إذن فالعزة هي القوة التي تَغْلِبُ، ولا يَغْلِبها أحد. أما العزة بالإثم فهي أنفة الكبرياء المقرونة بالذنب والمعصية. والحق سبحانه وتعالى يقول لكل من يريد هذا اللون من العزة بالإثم: إن كانت عندك عزة فلن يقوى عليك أحد، ولكن يا سحرة فرعون يا من قلتم بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، أنتم الذي خررتم سجداً لموسى وقلتم:

{  قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } [الشعراء: 47-48]
ولم تنفعكم عزة فرعون؛ لأنها عزة بالإثم، لقد جاءت العزة بالحق فغلبت العزة بالإثم. لذلك يبين لنا الحق سبحانه وتعالى أن العزة حتى لا تكون بالإثم، يجب أن تكون على الكافر بالله، وتكون ذلة على المؤمن بالله.

{  أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]
وكذلك قوله الحق:

{  أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29]
وهذا دليل العزة بالحق، وعلامتها أنها ساعة تغلب تكون في منتهى الانكسار، ولنا القدوة في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي خرج من مكة لأنه لم يستطع أن يحمي الضعفاء من المؤمنين، وبعد ذلك يعود إلى مكة فاتحاً بنصر الله عز وجل، ويدخل مكة ورأسه ينحني من التواضع لله حتى يكاد أن يمس قربوس سرج دابته، تلك هي القوة، وهي على عكس العزة بالإثم التي إن غلبت تطغى، إنما العزة بالإثم التي إن غلبت تطغى، إنما العزة بالحق إن غلبت تتواضع.

3-{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } أي أن الأنفة والكبرياء مقرونة بالإثم، والإثم هو المخالف للمأمور به من الحق سبحانه وتعالى، { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }. أي عزة هذه التي تقود في النهاية إلى النار؟ إنها ليست عزة، ولكنها ذلة، فلا خير في عمل بعده النار، ولا شر في عمل بعده الجنة. فإن أردت أن تكون عزيزاً فتأمل عاقبتك وإلى أين ستذهب؟

4-{ فَحَسْبُهُ } أي يكفيه هذا فضيحة لعزته بالإثم، وأما كلمة ” مهاد ” فمعناها شيء ممهد ومُوطأ، أي مريح في الجلوس والسير والإقامة. ولذلك يسمون فراش الطفل المهد. وهل المهاد بهذه الصورة يناسب العذاب؟ نعم يناسبه تماماً؛ لأن الذي يجلس في المهاد لا إرادة له في أن يخرج منه، كالطفل فلا قوة له في أن يغادر فراشه. إذن فهو قد فقد إرادته وسيطرته على أبعاضه. فإن كان المهاد بهذه الصورة في النار فهو بئس المهاد. هذا لون من الناس وفي المقابل يعطينا ـ سبحانه ـ لوناً آخر من الناس فيقول سبحانه: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ… }

احكام:-

مد صلة صغرى:فَحَسْبُهُ 

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 205

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم الاية  205:

وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ

ملخص الاية:

{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } فكأن الأصل في الأرض وما فيها جاء على هيئة الصلاح، فإن لم تزد الصالح صلاحاً فلا تحاول أن تفسده

كيف تظهر  ظهرت ظاهرة النفاق في البيئة الإيمانية القوية في المدينة وليس فى مكة؟ لأن الإسلام في مكة كان ضعيفاً، والضعيف لا ينافقه أحد، والإسلام في المدينة أصبح قوياً، والقوي هو الذي ينافقه الناس.

تتحدث الاية عن:

1-{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } و { تَوَلَّىٰ }: انصرف أي يقول لك ما يعجبك، فإذا تولى عنك نقل المسألة إلى الحقيقة بإظهار ما كان يخفيه، ويحتمل المعنى أنه إذا تولى شيئاً آخر، من الولاية، ففيه { تَوَلَّىٰ } من التولي وهو الانصراف والإعراض، وفيه { تَوَلَّىٰ } من الولاية.

2-{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } كانت الأرض بدون تدخل البشر مخلوقة على هيئة الصلاح، والفساد أمر طارئ من البشر.ونعرف أن الفساد لم يطرأ على أي أمر إلا وللإنسان فيه دخل.لماذا اشتكينا أزمة قوت ولم نشتك أزمة هواء؟ لأن الهواء لا تدخل للإنسان فيه، وبمقدار تدخل الإنسان يكون الفساد. لقد تدخلنا قليلاً في المياه فجاء في ذلك فساد، فلم نحسن نقلها في مواسير جيدة فوصلت لنا ملوثة، أو زاد عليها الكلور أو نقص. وبقدر ما يكون التدخل يكون الإفساد، أما في الزمن القديم فقد كان الإنسان يذهب إلى مصدر الماء المباشر في الآبار ويأخذ الماء الطبيعي الذي خلقه الله بلا تدخل من الإنسان ولم يكن تلوث أو غيره.إذن على مقدار وجود الإنسان في حركة الحياة غير المُرشّدة بالإيمان بالله  عز وجل ينشأ الفساد، ولذلك كان لابد له من منهج سماوي للإنسان. والكائنات غير الإنسان ليس لها منهج وهي مخلوقة بالغريزة وتؤدي مهمتها فقط؛ فالدابة لم تمتنع يوماً عن ركوبك عليها، ولم تمتنع أن تحمل عليها أثقالك، أو تستعين بها في الحرث، أو الري، حتى عندما تذبحها لا تمتنع عليك، لماذا؟ لأنها مخلوقة بالغريزة التي تؤدي بها الحركة النافعة بدون اختيار منها. وإذا امتنعت في وقت فإنما يكون ذلك لأمر طارئ كمرض مثلا.لكن الذي له اختيار لابد أن يكون له منهج يقول له: افعل هذا ولا تفعل تلك. فإن استقام مع المنهج في ” افعل ” و ” لا تفعل ” سارت حياته بشكل متوازن، لكن إذا لم يستقم تفسد الحياة. وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } ، كأن الإفساد هو الذي يحتاج إلى عمل، اترك الطبيعة والمخلوقات كما هي تجدها تعمل في انضباط وكمال على ما يرام.إذن فالفساد طارئ من الإنسان الذي يحيا بلا منهج لأنه { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } فكأن الأصل في الأرض وما فيها جاء على هيئة الصلاح، فإن لم تزد الصالح صلاحاً فلا تحاول أن تفسده. قال تعالى:
{  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } [البقرة: 11-12]
ومن هنا نفهم أنهم ظنوا أن الأرض تحتاج إلى حركتهم لإصلاحها، برغم أن الأرض بدون حركتهم صالحة؛ لأنهم لا يتحركون بمنهج الله عز وجل .إذن هذه الآية نفهم منها أن الإنسان إذا { تَوَلَّىٰ } بمعنى رجع أو تولى ولاية سعى في الأرض ليفسد فيها؛ فكأن الفساد في الأرض أمر طارئ وينتج من سعي الإنسان على غير منهج من الله. وما دام للإنسان اختيار فيجب أن يكون له منهج أعلى منه يصون ذلك الاختيار، فإن لم يكن له منهج وسار على هواه فهو مفسد لا محالة.

3-وانظر إلى غباء الذي يفسد في الأرض، هل يظن أنه هو وحده الذي سيستفيد في الأرض، فأباح لنفسه أن يفسد في الأرض لغيره؟ إنه ينسى الحقيقة، فكما يفسد لغيره، فغيره يُفسد له، فمن الخاسر؟ كلنا سنخسر إذن.{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ… } [البقرة: 205]
والحرث له معنيان: فمرة يُطلق على الزرع، ومرة يُطلق على النساء، المعنى الأول ورد في قوله تعالى:

{  وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } [الأنبياء: 78]
فالحرث في الآية معناه: الزرع، والزرع ناتج عن إثارة الأرض وإهاجتها. وعملك يا أيها الإنسان أن تهيج الأرض وتثيرها، وتأتي بالبذر الذي خلقه الله في الأرض التي خلقها الله عز وجل  وتسقيها بالماء الذي خلقه الله، وتكبر في الهواء الذي خلقه الله، ولذلك يلفتنا وينبهنا الحق ـ سبحانه ـ فيقول:

{  أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 63-64]
والمعنى الثاني: يُطلق الحرث على المرأة في قوله تعالى:

{  نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } [البقرة: 223]
وإذا كان حرث الزرع هدفه إيجاد النبات فكذلك المرأة حتى تلد الأولاد. ويتابع الحق وصف الذي يقول القول الحسن، ولكنه يسعى في الأرض بالفساد فيقول: { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ }. والنسل هو الأنجال والذرية.

4-ويذيل الحق الآية: { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي أن الحق سبحانة وتعالى يريد منكم إن لم تدخلوا بطاقة الله التي خلقها لكم فكراً وعطاء، فعلى الأقل اتركوا المسألة كما خلقها الله؛ لأن الله لا يحب أن تفسدوا فيما خلقه صالحاً في ذاته.وما سبق في هذه الآية هو مجرد صورة من صور استقبال الدعوة الإسلامية في أول عهدها، من الذين كانوا ينافقون واقعها القوي، فيأتون بأقوال تُعجب، وبأفعال تُعجب من ينافق. ونعرف أن النفاق كان دليلا على قوة المسلمين، ولذلك لم ينشأ النفاق في مكة، وإنما نشأ في المدينة. فقد قال الحق:{  وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } [التوبة: 101]
وربما يتساءل إنسان: وكيف تظهر هذه الظاهرة في البيئة الإيمانية القوية في المدينة؟ ونقول: لأن الإسلام في مكة كان ضعيفاً، والضعيف لا ينافقه أحد، والإسلام في المدينة أصبح قوياً، والقوي هو الذي ينافقه الناس.إذن فوجود النفاق في المدينة كان ظاهرة صحية تدل على أن الإيمان أصبح قويا بحيث يدعيه مَنْ ليس عنده إسلام. وهؤلاء كانوا يقولون قولاً حسناً جميلاً، وقد يفعلون أمام من ينافقونه فعلاً يُعجب مَنْ يراهم أو يسمعهم، ولكنهم لا يثبتون على الحق، فإذا ما تولوا، أي اختفوا عن أنظار مَنْ ينافقونه رجعوا إلى أصلهم الكفري، أو إذا ائتمنوا على شيء فهم يسعون في الأرض فساداً.والآية هنا تتعرض لشيء يدل على فطنة المؤمنين، إن الآية فضحت مَنْ نافق وكان الأخنس عمدة في النفاق، وفضيحة المنافق بهذه الصورة، تدل على أن وراء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ووراء المؤمنين بسيدنا محمد صلى الله علية وسلم، ربَّاً يخبرهم بمَنْ يدلس عليهم، وأيضاً ينبههم لضرورة أن تكون لهم فطنة بدليل قول الحق: { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ… }

احكام:-

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 204

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم الاية  204:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ

اسباب نزول الاية:

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا} الآية. [204].
قال السدي: نزلت في الأَخَنْس بن شريق الثقفي، وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة فأظهر له الإسلام وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال إنما جئت أريد الإسلام، والله يعلم إني لصادق، وذلك قوله: { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ} ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعَقَرَ لحمر، فأنزل الله تعالى فيه: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ} .

ملخص الاية:

-يريد الحق سبحانه وتعالى أن يضع أمامنا قضية وجودية، وهذه القضية الوجودية هي أن كل عمل له ظاهر وله باطن. ومن الجائز أن تتقن الظاهر وتدلس على الناس في الباطن  فأن” إن عَمّيْتَ على قضاء الأرض فلن تعمى على قضاء السماء “.

عندما أرسل خليفةُ المسلمين للإمام جعفر الصادق يقول له: ـ لماذا لا تغشانا ـ أي لا تزورنا ـ كما يغشانا الناس؟ فكتب الإمام جعفر الصادق للخليفة يقول: أما بعد فليس عندي من الدنيا ما أخاف عليه، وليس عندك من الآخرة ما أرجوك له.وكأنه يريد أن يقول له اتركنا وحالنا؛ أنت محتاج لمن يجلس معك ويمدحك، وأنت لا تعلم أن أول أناس لهم رأي سيء فيك هم من يمدحونك.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن أبغض الرجال إلى الله هو الألد الخصم “. الخصم الواضح أفضل لأنه يواجهك بما في باطنه، لكن إذا جابهت الذي يبطن خصومته ويظهر محبته يكون قاسياً عليك في خصومته؛ لأنه يريد أن يخدعك ويُبَيّتُ لك.

تتحدث الاية عن:

1-يريد الحق سبحانه وتعالى أن يضع أمامنا قضية وجودية، وهذه القضية الوجودية هي أن كل عمل له ظاهر وله باطن. ومن الجائز أن تتقن الظاهر وتدلس على الناس في الباطن، فإذا كان الناس لهم مع بعضهم ظاهر وباطن. فمن مصلحة الإنسان أن ينتمي هو والناس جميعاً إلى عالم يعرف فيه كل إنسان أن هناك إلهاً حكيماً يعرف كل شيء عنا جميعاً. فإذا كان عندك شيء لا أعلمه، وأنا عندي شيء أنت لا تعلمه كيف تسير مصالحنا؟ ولذلك فمن ضروريات حياتنا أن نؤمن معا بإله يطلع على سرائرنا جميعاً، وهذا ما يجعلنا نلزم الأدب. ولذلك قيل: ” إن عَمّيْتَ على قضاء الأرض فلن تعمى على قضاء السماء “.إذن فقضاء السماء وعلم الله  عز وجل بالغيب مسألة يجب أن نحمده عليها، لأنه هو الذي سيحمي كل واحد منا من غيره. وعندما ستر الله غيبنا فذلك نعمة يجب أن نشكره عليها؛ لأن النفوس متقلبة. فلو علمت ما في نفسي عليك في لحظة قد لا يسرك.. وقد لا تنساه أبداً ويظل رأيك فيَّ سيئاً، لكن الظنون والآراء تمر عندي وعندك وتنتهي. ولو اطلع كل منا على غيب الآخر لكانت الحياة مرهقة، والقول المأثور يذكر ذلك: ” لو تكاشفتم ما تدافنتم “.إذن فمن رحمة الله عز وجل ومن أكبر نعمه على خلقه أن ستر غيب خلقه عن خلقه. والحق يحذرنا ممن قال فيهم: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي الذين يظهرون من خير خلاف ما يبطنون من شر، ولذلك صور الشاعر هذه المسألة فقال:

عـلى الـذم بـتنـا مجـمـعـين وحـالنـا     مـن الخـوف حـال المجـمـعين على الحمد

أي لو تكاشفنا لقلنا كلنا ذماً، إنما كلنا مداحون حين يلقى بعضنا بعضا كل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. و ” يعجبك قوله ” فهل الممنوع أن يعجبك القول؟ لا، يعجبني القول ولكن في غير الحياة الدنيا، فالقول الذي يعجب هو ما يتعلق بأمر الحياة الآخرة الباقية ليضمن لنا الخير عند من يملك كل الخير.وكفى بالذي يسمع من مادح له مدحاً، والمادح نفسه يضمر في قلبه كرهاً له، وكفى بذلك شهادة تغفيل للممدوح، بأنه يقول بينه وبين نفسه: ” إن الممدوح غبي؛ لأني أمدحه وهو مصدق مدحي له “. إن الله سبحانه وتعالى ينبهنا إلى ضرورة أن يكون المسلم يقظا وفطناً، ومن يقول لنا كلاماً يعجبنا في الحياة نتهمه بأن كلامه ليس حسنا؛ لأن خير الكلام هو ما يكون في الأمر الباقي.ولذلك عندما أرسل خليفةُ المسلمين للإمام جعفر الصادق يقول له: ـ لماذا لا تغشانا ـ أي لا تزورنا ـ كما يغشانا الناس؟ فكتب الإمام جعفر الصادق للخليفة يقول: أما بعد فليس عندي من الدنيا ما أخاف عليه، وليس عندك من الآخرة ما أرجوك له.وكأنه يريد أن يقول له اتركنا وحالنا؛ أنت محتاج لمن يجلس معك ويمدحك، وأنت لا تعلم أن أول أناس لهم رأي سيء فيك هم من يمدحونك.

2-{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } وهذه الآية نزلت في الأخنس ابن شريق الثقفي واسمه أبيّ ولقب بالأخنس لأنه خنس ورجع يوم بدر فلم يقاتل المسلمين مع قريش واعتذر لهم بأن العير قد نجت من المسلمين وعادت إليهم، وكان ساعة يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر إسلامه ويلين القول للرسول صلى الله علية وسلم  ويدعي أنه يحبه، ولكنه بعد أن خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بزرع وحُمُر لقوم من المسلمين فأحرق الزرع وقتل الحمر. والآية وإن نزلت في الأخنس فهي تشمل كل مُنافق.

3-{ وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } لا تقولوا: ” الله يشهد ” ، وإنما هاتوا شهداءكم ليشهدوا على صدق قولكم؛ لأن معنى ” الله يشهد ” هو إخبار منك بأن الله يشهد لك. وأنت كاذب في هذه، وتريد أن تضفي المصداقية على كذبك بإقحام الله في المسألة.وساعة تسمع واحداً يقول لك: أُشْهِدُ الله على أني كذَا، فقل له: هذا إخبار منك بأن الله يشهد، وأنت قد تكذب في هذا الخبر، أنا أفضل أن يشهد اثنان من البشر ولا نقحم الله عز وجل في هذه الشهادة. { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } وألد الخصام هو الفاسق في معصيته، ويقال: فلان عنده لدد أي فسق في خصومته، ويجادل بالباطل. ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن أبغض الرجال إلى الله هو الألد الخصم “. يعني المجادل بالباطل الذي عنده قسوة في المعصية، فهو عاصٍ وفي الوقت نفسه قاس في معصيته. ولماذا هو ألد الخصام؟ لأن الذي يجابهك بالأمر يجعلك تحتاط له، أما الذي يقابلك بنفاق فهو الذي يريد أن يخدعك، وهذا عنف في الخصومة فالخصم الواضح أفضل لأنه يواجهك بما في باطنه، لكن إذا جابهت الذي يبطن خصومته ويظهر محبته يكون قاسياً عليك في خصومته؛ لأنه يريد أن يخدعك ويُبَيّتُ لك.

احكام:-

ادغام بغنة:مَنْ يُعْجِبُكَ

مد صلة صغرى:قَوْلُهُ فِي-قَلْبِهِ وَهُوَ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب

تفسير سورة البقرة الاية 203

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى اله وصحبة وسلم

تفسير اليوم الاية  203:

وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

ملخص الاية:

-الأيام المعدودات أي أيام التشريق فهي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر. وقد سميت بذلك نسبة إلى الشروق، والشروق خاص بالشمس، كانوا قديماً إذا ما ذبحوا ذبائحهم سميت هذه الأيام بأيام التشريق

إياك أن تقارن الأفعال بزمنها، وإنما هي بإخلاص النية والتقوى فيها.

تتحدث الاية عن:

1-نلاحظ أن ذكر الله تعالى  أمر شائع في جميع المناسك، و { فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } أي في أيام التشريق. في اليوم التاسع نكون في عرفة وليلة العاشر نبيت فيها بـ ” مزدلفة ” ، ثم بعد ذلك نفيض من حيث أفاض الناس، نذهب لرمي جمرة العقبة، وبعضنا يذهب ليطوف طواف الإفاضة وينهي مناسكه، أو قد يذهب ليذبح ويتحلل التحلل الأصغر، إن لم يكن معه امرأة، وإن طاف فهو يتحلل التحلل الأكبر. أما الأيام المعدودات أي أيام التشريق فهي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر. وقد سميت بذلك نسبة إلى الشروق، والشروق خاص بالشمس، كانوا قديماً إذا ما ذبحوا ذبائحهم سميت هذه الأيام بأيام التشريق. وعندما نسمع قوله: { فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } نفهم منها أنها فوق يومين.

2-وبعد ذلك يقول الحق: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ }. قول الحق سبحانه وتعالى: { فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } ثم قوله: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } يدل على أن كلمة ” أيام ” تطلق على الجمع وهو الأكثر من يومين، أي ثلاثة أيام، لكن الحق سبحانه وتعالى جعل للقيام بيومين حكم القيام بالثلاثة، فإن تعجلت في يومين فلا إثم عليك ومن قضى ثلاثة أيام فلا إثم عليه كيف يكون ذلك؟.لأن المسألة ليست زمناً، ولكنها استحضار نية تعبدية، فقد تجلس ثلاثة أيام وأنت غير مستحضر النية التعبدية؛ لذلك قال سبحانه: { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } ، فإياك أن تقارن الأفعال بزمنها، وإنما هي بإخلاص النية والتقوى فيها.

3-ويذيل الحق الآية بالقول الكريم: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }. وقد جاء سبحانه وتعالى بكلمة { تُحْشَرُونَ } لتتناسب زحمة الحج؛ لأنه كما حشركم هذا الحشر وأنتم لكم اختيار، هو سبحانه القادر أن يحشركم وليس لكم اختيار. فإذا كنت قد ذهبت باختيارك إلى هذا الحشر البشري الكبير في الحج فاعرف أن الذي كلفك بأن تذهب باختيارك لتشارك في هذا الاجتماع الحشد هو القادر على أن يأتي بك وقد سلب منك الاختيار

احكام:-

ادغام بغنة:أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ

اخفاء:مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ

مد منفصل:فِي أَيَّامٍ- فَلَا إِثْمَ-وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب