بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسليين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على خير الخلق أجمعين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، أما بعد :
أيها الأخوة في الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
الحمد الله رب العالمين
1-تفسير ابن كثير رحمه الله
قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة. وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه [الله] (6) ومن قنط أحل [الله] (7) به عقابه. ولهذا قال: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }
وقد حكى بعضُ المفسرين أن المراد من الخوف (8) هاهنا: خوف الله، وبالجوع: صيام رمضان، ونقص (9) الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد.
وفي هذا نظر، والله أعلم.
ثم بيَنَّ تعالى مَنِ الصابرون (10) الذين شكرهم، قال: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي: تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم، وعلموا أنَّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما (1) يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة. ولهذا أخبر تعالى عما (2) أعطاهم على ذلك فقال: { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.
قال سعيد بن جبير: أي أَمَنَةٌ من العذاب { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدْلان ونعمت العلاوة { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } فهذان العدلان { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل وكذلك هؤلاء، أعطوا ثوابهم وزيدوا (3) أيضًا.
-وقد ورد في ثواب الاسترجاع، وهو قول (4) { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } عند المصائب أحاديث كثيرة. فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد:حدثنا يونس، حدثنا ليث -يعني ابن سعد -عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عمرو بن أبي عَمْرو، عن المطلب، عن أم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سُررْتُ به. قال: “لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهم أجُرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا منها، إلا فُعِل ذلك به”. قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منه، ثم رجعت إلى نفسي. فقلت: من أين لي خير (5) من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدَّتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأنا أدبغ إهابا لي -فغسلت يدي من القَرَظ (6) وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حَشْوُها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله، ما بي ألا يكون بك الرغبة، ولكني امرأة، فيّ غَيْرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن، وأنا ذات عيال، فقال: “أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يُذهبها (7) الله، عز وجل عنك. وأما ما ذكرت من السِّن فقد أصابني مثلُ الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي”. قالت: فقد سلَّمْتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سلمة بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (8) .
وفي صحيح مسلم، عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله من مصيبته، وأخلف له خيرا منها” قالت: فلما تُوُفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرا منه: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (9) .
2-تفسير القرطبي رحمه الله
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي بالثواب على الصبر. والصبر أصله الحبس، وثوابه غير مقدر، وقد تقدم. لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، كما روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إنما الصبر عند الصدمة الأولى” . وأخرجه مسلم أتم منه، أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر، وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك، ولذلك قيل: يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث. وقال سهل بن عبدالله التستري: لما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} صار الصبر عيشا. والصبر صبران: صبر عن معصية الله، فهذا مجاهد، وصبر على طاعة الله، فهذا عابد. فإذا صبر عن معصية الله وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه، وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات. وقال الخواص: الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة. وقال رويم: الصبر ترك الشكوى. وقال ذو النون المصري: الصبر هو الاستعانة بالله تعالى. وقال الأستاذ أبو علي: الصبر حدة ألا تعترض على التقدير، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر، قال الله تعالى في قصة أيوب: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 44] مع أخبر عنه أنه قال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83].
الآية: 156- {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}
الآية: 157- {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {مُصِيبَةٌ} المصيبة: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه، يقال: أصابه إصابة ومصابة ومصابا. والمصيبة واحدة المصائب. والمصوبة “بضم الصاد” مثل المصيبة. وأجمعت العرب على همز المصائب، وأصله الواو، كأنهم شبهوا الأصلي بالزائد، ويجمع على مصاوب، وهو الأصل. والمصاب الإصابة، قال الشاعر:
أسليم إن مصابكم رجلا … أهدى السلام تحية ظلم
وصاب السهم القرطاس يصيب صيبا، لغة في أصابه. والمصيبة: النكبة ينكبها الإنسان وإن صغرت، وتستعمل في الشر، روى عكرمة أن مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم انطفأ ذات ليلة فقال: ” إنا لله وإنا إليه راجعون” فقيل: أمصيبة هي يا رسول الله؟ قال: “نعم كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة”.
قلت: هذا ثابت معناه في الصحيح، خرج مسلم عن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته” .
الثانية: خرج ابن ماجة في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام ابن زياد عن أمه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب”
الثالثة: من أعظم المصائب المصيبة في الدين، ذكر أبو عمر عن الفريابي قال حدثنا فطر بن خليفة حدثنا عطاء بن أبي رباح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب” . أخرجه السمرقندي أبو محمد في مسنده، أخبرنا أبو نعيم قال: أنبأنا فطر…، فذكر مثله سواء. وأسند مثله عن مكحول مرسلا. قال أبو عمر: وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي وماتت النبوة. وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه. قال أبو سعيد: ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا. ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول:
اصبر لكل مصيبة وتجلد … واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى أن المصائب جمة … وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟ … هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمدا ومصابه … فاذكر مصابك بالنبي محمد
الرابعة- قوله تعالى: { قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين: لما جمعت من المعاني المباركة، فإن قوله: {إِنَّا لِلَّهِ} توحيد وإقرار بالعبودية والملك. وقوله: {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} إقرار بالهلك على أنفسنا والبعث من قبورنا، واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له. قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب لما قال: يا أسفي على يوسف
الخامسة- قال أبو سنان: دفنت ابني سنانا، وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأنشطني وقال: ألا أبشرك يا أبا سنان، حدثني الضحاك عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد” . وروى مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها” . فهذا تنبيه على قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] إما بالخلف كما أخلف الله لأم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه تزوجها لما مات أبو سلمة زوجها. وإما بالثواب الجزيل، كما في حديث أبي موسى، وقد يكون بهما.
السادسة- قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} هذه نعم من الله عز وجل على الصابرين المسترجعين. وصلاة الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج: الصلاة من الله عز وجل الغفران والثناء الحسن. ومن هذا الصلاة على الميت إنما هو الثناء عليه والدعاء له، وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا وإشباعا للمعنى، كما قال: {مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159]، وقوله {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف: 80]. وقال الشاعر:
صلى على يحيى وأشياعه … رب كريم وشفيع مطاع
وقيل: أراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة. وفي البخاري وقال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعم العلاوة: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} أراد بالعدلين الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الاهتداء. قيل: إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر، وقيل: إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
3-تفسير الشيخ السعدي رحمه الله
وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط، قولا وفعلا واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه، لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها، فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.فالصابرين، هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
{ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ } أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك، الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر.
{ أُولَئِكَ } الموصوفون بالصبر المذكور { عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي: ثناء وتنويه بحالهم { وَرَحْمَةٌ } عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
ودلت هذه الآية، على أن من لم يصبر، فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة، والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها، لتخف وتسهل، إذا وقعت، وبيان ما تقابل به، إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر، بضد حال الصابر.
وأن هذا الابتلاء والامتحان، سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان أنواع المصائب.
4-تفسير فتح القديــر
{ وَبَشّرِ الصابرين } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يقدر على التبشير . وقد تقدّم معنى البشارة . والصبر أصله الحبس ، ووصفهم بأنهم المسترجعون عند المصيبة؛ لأن ذلك تسليم ورضا . والمصيبة واحدة المصائب ، وهي : النكبة التي يتأذّى بها الإنسان ، وإن صغرت .
وقوله : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون } فيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين ، وعصمة للممتحنين ، فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله ، والاعتراف بالبعث ، والنشور . ومعنى الصلوات هنا : المغفرة ، والثناء الحسن . قاله الزجاج . وعلى هذا ، فذكر الرحمة القصد التأكيد . وقال في الكشاف : « الصلاة الرحمة ، والتعطف ، فوضعت موضع الرأفة ، وجمع بينها ، وبين الرحمة كقوله : { رأفة ورحمة } [ الحديد : 27 ] { رَءوفٌ رَّحِيمٌ }
[ التوبة : 117 ، 128 ، النور : 20 ، الحشر : 20 ] والمعنى : عليهم رأفة بعد رأفة ، ورحمة بعد رحمة « . انتهى . وقيل المراد بالرحمة : كشف الكربة ، وقضاء الحاجة . و { المهتدون } قد تقدّم معناه . وإنما وصفوا هنا بذلك؛ لكونهم فعلوا ما فيه الوصول إلى طريق الصواب من الاسترجاع ، والتسليم .
وأخرج الحاكم ، والبيهقي في الدلائل ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه غشية ظنوا أنه قد فاضت نفسه فيها ، حتى قاموا من عنده ، وجللُوه ثوباً ، وخرجت أم كلثوم بنت عقبة امرأته إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر ، والصلاة ، فلبثوا ساعة ، وهو في غشيته ، ثم أفاق . وأخرج ابن منده في المعرفة ، عن ابن عباس قال : قتل عمير بن الحمام ببدر ، وفيه وفي غيره نزلت : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : { فِى سَبِيلِ الله } في طاعة الله في قتال المشركين . وقد وردت أحاديث أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تأكل من ثمار الجنة . فمنها عن كعب بن مالك مرفوعاً عند أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه . وروي أن أرواح الشهداء تكون على صور طيور بيض ، كما أخرجه عبد الرزاق ، عن قتادة قال : بلغنا ، فذكر ذلك . وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير عنه أيضاً بنحوه ، وروى أنها على صور طيور خضر ، كما أخرجه ابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي العالية . وأخرجه ابن أبي شيبة في البعث ، والنشور عن كعب . وأخرجه هناد بن السَرِيِّ عن هذيل . وأخرجه عنه عبد الرزاق في المصنف عن عبد الله بن كعب بن مالك مرفوعاً ، وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن عطاء في قوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مّنَ الخوف والجوع } قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } الآية ، قال : أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر ، وبشرهم فقال : { وَبَشّرِ الصابرين } وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتخفيف سبيل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه « وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله : { وَنَقْصٍ مّن الثمرات } قال : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : » أعطيت أمتي شيئاً لم يعطه أحد من الأمم ، أن يقولوا عند المصيبة : { إنا لله ، وإنا إليه راجعون } « وقد ورد في فضل الاسترجاع عند المصيبة أحاديث كثيرة .
5-تفسير الدار المنثور
{ وبشر الصابرين } . وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع } قال : هم أصحاب محمد عليه السلام .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن جويبر قال : كتب رجل إلى الضحاك يسأله عن هذه الآية { إنا لله وإنا إليه راجعون } أخاصة هي أم عامة؟ فقال : هي لمن أخذ بالتقوى ، وأدى الفرائض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولنبلونكم } قال : ولنبتلينكم يعني المؤمنين { وبشر الصابرين } قال : على أمر الله في المصائب ، يعني بشرهم بالجنة { أولئك عليهم } يعني على من صبر على أمر الله عند المصيبة { صلوات } يعني مغفرة { من ربهم ورحمة } يعني رحمة لهم وأمنة من العذاب { وأولئك هم المهتدون } يعني من المهتدين بالاسترجاع عند المصيبة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله : ونقص من الثمرات . قال : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق رجاء بن حيوة عن كعب . مثله .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « اعطيت أمتي شيئاً لم يعطه أحد من الأمم ، أن يقولوا عند المصيبة { إنا لله وإنا إليه راجعون } » .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن سعيد بن جبير قال : لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئاً لم تعطه الأنبياء قبلهم ، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول : يا أسفى على يوسف { إنا لله وإنا إليه راجعون } لفظ البيهقي قال : لم يعط أحد من الأمم الاسترجاع غير هذه الأمة ، أما سمعت قول يعقوب؟ : يا أسفي على يوسف .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } قال : من استطاع أن يستوجب لله في مصيبته ثلاثاً الصلاة والرحمة والهدى فليفعل ولا قوة إلا بالله ، فإنه من استوجب على الله حقاً بحق أحقه الله له ، ووجد الله وفياً .
الموضوع منقول من هنا
http://www.startimes.com/?t=19125598
فعندما كنت ابحث عن فضل الاسترجاع لله عز وجل وجدتة وقرأتة وكنت بحاجة إلية ووضعتة للناس حتى تستفيد بأذن الله تعالى
إنا لله وإنا إلية راجعون اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
الحمد الله رب العالميين حمدا كثيرا مباركا فية – اللهم دومها نعمة واحفظها من الزوال امين امين امين يا رب